تفسير قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا )) حفظ
سبحانه وتعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) الخطَابُ في قولِه: (( إنا أرسلناك )) للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والإرسَال هو تحميل المرسَل شيئًا يبَلِّغُه إلى المرْسَلِ إليهم، والجملة كما نشاهد مُؤَكَّدة بـ(إنَّ) وتوكيد الجملة يدُلُّ على الاهتمام بها مِن أجل أن يُؤْمِنَ بها الإنسان إيمانًا كاملًا، يقول الله تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )) الباء هنا إمَّا أن تكونَ للتعدية تقول: وأرسلته بكذا لبيان المرسَل بِه، وإما أن تكونَ للمصاحبة والمؤلف رحمه الله يقول : (( بالحق )) بالهدى " وكأنَّه أخذَ هذا التفسير من قولِه تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ))[التوبة:33] ولكن الصحيح في الآية أنَّ المراد (( بالحق )) ضِدُّ الباطل فيشمل الصِّدقَ في الخبر والعدلَ في الأحكَام، أي بالصدقِ في الأخبار والعدلِ في الأحكام وليس الهدى فقط بلِ الهدى والصَّلَاح والإِصلاح وغيرَ ذلك، أمَّا في قوله تعالى: (( بالهدى ودين الحق )) فنعم ممْكن أن نقول: المراد بالهدى هناك أن نقُول المراد به العلْم النافع لأنَّه ذكرَ الهدى وذكرَ الدين فذكرَ العلم والعمَل أمَّا هنا فلا ينبغي أن نقْتَصِر على قولنا الحق أي الهدى، بل نجعلُه أعمّ من ذلك لِيشمل الهدى الذي هو العلم ويشمل دينَ الحق الذي هو الرُّشْد والصلاح والإصلاح، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد تضمَّنَتْ رسالتُه العلومَ النافعة كلَّها والصلاح للخلْق في معاشِهم ومعادِهم، وما جاءَ به فقد تضَمَّنَ الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام، قال تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) (( بشيرًا )) هذه حَال بمعنى مُبَشِّر حالٌ مِن الكاف في (( أرسلناك ))، قال المؤلف: (( بشيرًا )) مَن أجابَ إليه (( ونذيرًا )) مَن لم يُجِبْ إليه " والبَشَارة هي الإخبارُ بما يَسُرّ، وقد تُسْتَعْمَل في الإخبَار بما يسُوء كما في قولِه تعالى: (( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ))[التوبة:34]، وأمَّا الإنذار فهو التَّخْويف أي الإعلام بما يُخَوِّف، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام كانت رسالته بَشَارَة وإِنْذَار، لأنها إمَّا أمرٌ يُبَشَّرُ فاعلُه بما يقتَضِيه ذلك الأمر، وإما نهي يُخَوَّفُ صاحبُه مِن ارتكابِه، فالشريعة كلها بَشَارة ونَذَارة، وقولُ المؤلف رحمه الله: (( بشيرًا )) مَن أجاب إليه (( ونذيرًا )) مَن لم يُجِبْ " قد يُقال: إنَّ الأولى إبقاءُ الآية على عمومِها أي بشيرًا لِمَن أجاب إليه ونذيرًا له في نفس الوقت لأنَّ مَن أجاب أيضًا يحتاجُ إلى إنذَار فيكونُ البَشارة والإنذار شامِلة لِمَن أجاب ومَن لم يُجِب حتى مَن لَم يُجِب يُبَشَّر إن أجاب طيب (( بشيرًا ونذيرًا ))