تفسير قول الله تعالى : (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) حفظ
ثم قال: (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( إن )) بمعنى (ما) فهي نافية وقد ذكرنا لها ضابطًا فيما سبق أي ذكرنا لـ(إن) النافية ضابطًا لكنه لا يُحيط بِجميعِ مواردِها وهو أنَّه إذا أتتْ بعدَها إلَّا فهي نافية مثل: (( إن أنت إلا نذير ))، (( إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ))[المائدة:110]، (( إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ))[ص:7] (( إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ))[الشعراء:137]، ومنها أيضًا هذه الآية (( إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) وقولُه: (( من )) زائدَة زائدة، زائدةٌ إعرابًا زائدةٌ معنى فإن قلت: كيف تكون زائدة زائدة؟ قلنا: لأَنَّ (زاد) يُستعمَلُ لازمًا ومتعديًا فيقال: زادَ الطينَ بَلَّةً هذا مُتَعَدِّي، (( فزادتهم إيمانًا )) هذا متعدي أيضًا وتقول: زادَ المالُ هذه لازمة فمعنى زائدة زائدة يعني زائدة هذا مِن الناقص الذي هو الزيادة أي نعم، مِن الناقص الذي لا يتَعَدَّى، وزائدة الثانية مِن المتعدي طيب، و(( أمةٍ )) مبتدأ مرفُوع بضمة مقدرة على آخره منعَ مِن ظهورها اشتغالُ المحل بحركةِ حرفِ الجر الزائِد، (( إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) قال المؤلف رحمه الله: (( خَلَا )) بمعنى سلَف، (( فيها نذير )) أي نبيٌّ ينذِرُها، والأمَّة هنا بمعنى الطائِفة وتأتي في القرآن على أربعةِ أوجه تكُون بمعنى الطائِفة كما هنا، وتكون بمعنى الزَّمَن مثالُها (( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ))[يوسف:45] وتكُون بمعنى الدين والمِلَّة (( وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )) وتكونُ بمعنى الإمام .. (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا ))[النحل:120]، ما مِن أُمَّة (( إلا خلا فيها نذير )) أي سَلَفَ ومضى نذيرٌ ينذرُها وذلك لِتقومَ الحُجَّةُ على العباد لأنَّ العقولَ مهما بلغَتْ لا يمكن أن تعرِف ما يجِبُ للهِ عز وجل مِن الحقوق كما لا يمكن أن تعرف ما يجِبُ له مِن الأسماء والصفات على سبيلِ التفصيل، وإن كان العقْل يُدْرِك أن الإنسان لابُدَّ أن يعبُدَ خالقَه ويدرِك أنَّ الخالق لابد أن يكُون متصفًا بصفاتِ الكمال، لكن على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمِن أجلِ ذلك أرسلَ اللهُ الرسل لتقومَ الحجة على العباد فما مِن أمة إلَّا خلا فيها نذير، قد تكون الأنبياء في وقت واحد في أمكنَةٍ متعددة وقد يكون الأنبياء في وقت واحد في مكَان واحد، أما أن يوجَد مكانٌ واحد لم يكُن فيه نبي فهذا لا يمكِن، لا بُد أن تكونَ جميعُ الأمم قد بُعِثَ إليها الرُّسُل، ونظيرُ هذا قولُه تعالى: (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ َ )) بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ