تفسير قول الله تعالى : (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير )) حفظ
ثم قال الله تعالى: (( وإن يُكذِّبُوك )) أي أهْلُ مكة هذا تفسير للواو في قولِه: (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم )) يعني فليس ببِدْع أن يكذَّبك قومُك، لأنَّ الذين مِن قبلِهم كذَّبُوا الرسل كقوله تعالى: (( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا ))[الأنعام:34] يعني ليس الأمر مُقْتَصِرًا على أنه التَّكْذِيب فقط بل تكذيب وأَذِيَّة بالقول وأذِيَّة بالفعل بل أعظَمُ من ذلك القتْل فإن كثيرًا مِمَّن أرسَل الله إليهم الرسل قتلُوهم، يقول: (( وإن يكذبوك )) أي أهلُ مكة " لماذا نخصُّهم بأهل مكة؟ الصحيح أنَّه ليس خاصًّا بأهل مكة بل أهل مكة وغيرهم الرسول كذبَه أهل مكة وكذَّبه أهل الطائف وغيرهم مِن المشركين، فالصواب العموم (( إن يكذبوك فقد كذَّب الذين من قبلهم )) (الذين) وش تُعْرِبونه؟
الطلبة: فاعل.
الشيخ : فاعل، و أين المفعُول؟ محذوف أي: فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلَهم، قال: (( جاءتهم رسلُهم بالبينات والزبر [كذا] والكتاب المنير )) ومع ذلك كفروا جاءتهم رسلُهم بالبينات الباء هذه للمصاحبة ويحتَمِل أنها للتعدية يعني: أتَوْا بالبينة التي تُبَيِّن صدقَهم، وقولُ المؤلف: المعجزات هذا هو تعبير كثيرٍ من المتأخرين ولكنَّ الصواب أن يقال بالآيات وأنَّ (البينات) هذه صفة لموصوف محذوف تقديرُه: بالآياتِ البيناتِ أي الظاهرة، والآياتُ التي جاء بها الرسل حسبية ومعنوية، فمِن الآيات الحسية ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام مِن العصا واليد وغير ذلك، ومِن الآيات المعنية ما جاء به مِن التوراة، وكذلك عيسى وغيرُهما مِن الرسل كلُّ رسول لم يأتِ إلا بِبَيِّنَة، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من رسول أرسلَه الله إلا آتاه مِن الآيات ما يؤمِنُ على مثله البَشَر، وإنما كان كذلك، لأنه ليس مِن الحكمة ولا مِن الحُجَّة ولا مِن الرَّحْمة أن يُرْسَل رسولٌ إلى الخلق يستبِيحُ دماءَ المخالفين له وأموالَهم ونسائَهم بدون بَيِّنَة، حتى لو فُرِض أنَّ أحدًا كذَّبَه وهو لم يأتِ ببيِّنة لكان المكذِّبُ معذُورًا، لأنَّ البينة على المدِّعِي فكان مِن حكمة الله ورحمتِه وإقامة حجَّتِه أن يجعَل مع الرسل آيات تشهَد بصدق ما جاءُوا به، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنَّ الآيات التي جاءَت بها الرسل ولاسيَّما الآياتُ الحسية تكونُ مناسِبَةً لما كان في عصرِهم أو لأبرزِ الأمور في عصرِهم، وضربوا لذلك مثلًا بأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام جاءَ بالعصا واليد، لأنَّه اشتهر في عصره وبرز في عصرِه صناعَةُ السِّحْر فجاءَ بأمر فوقَ ما تجِيءُ به السَّحَرة، السحرة إنما يُمَوِّهُون ويُخَيِّلُون وهو جاء بالحقيقة، وألقَوْا حبالهم وعصيهم فإذا هو يُخَيَّلُ إليه مِن سحرهم أنها تسْعَى، يُخَيَّلُ إليه ولكنَّه ليس بحقيقة هو ألقى عصَاه فصارت حقِيقَةً فعليَِّة تلقف ما يأفِكُون، قالوا: وعيسى عليه الصلاة والسلام أتى في وقتٍ ترَقَّتْ فيه صناعَةُ الطب فجاء بأمرٍ يعجَزُ عنه الأطباء ولا يستطيعُونه جاء بإبراءِ الأكمَه والأبرَص وإحياءِ الموتى وخلقِ صورة من الطين يَنفخ فيها فتطير يتكون طيرًا حقيقيًّا وهذا يعجز عنه الطب، لا يمكن لأيِّ طبيب يكونُ أمامَه رجلٌ ميت فيقول: قم فيقُوم أبدًا، لا يمكن لأيِّ طبيب يأتي إلى المقابِر ويقف على القبر ويقول: اخرُجْ فيخرج، وعيسى يفعل ذلك كما قال الله تعالى: (( وإذ تخرج الموتى بإذني )) تخرِجُهم مِن مدافِنِهم، ولا يمكن لأن إنسان مِن الأطباء أو غيره أن يخلُقَ من الطير فينفخ فيه فيطير أبدًا، الأكمَه والأبرص لا يمكِن لأحدٍ أن يبرِئَه مِن المرض الذي أصابه بمثل ما يُبْرِئُهُ عيسى عليه الصلاة والسلام يُؤتَى إليه بذوي العاهات ويمسَح بيده عليه ويبرَأ يزُول بأنْ هذا البرص الذي قد ملَأ الجِلْد أو أكثرَه يُمِرُّ يدَه عليه فلا تتعدى يدُه مكانًا إلا عادَ على طبيعتِه نعم، هذا لا يسْتَطِيع أحدٌ مِن الأطباء مهما بلغَ في الطِبّ أن يصِل إلى هذا الحال، قالوا: ومحمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى قومٍ قد بلَغُوا في البلاغة ذُروتَها فجاء بكلامٍ لا يستطيعون مُبَاراتَه أبدًا وهو كلام الله، وتحدَّاهم الله تعالى في عدَّةِ آيات أن يأتُوا بسُورَة مثله أو بعشْرِ سُوَرٍ مثله أو بحديث مثله فلم يستطيعوا، المهم أنَّ جميع ما جاءت به الرسل آياتٌ بينات.
يقول: (( والزبر )) قال: كصُحُفِ إبراهيم " الزُّبُر جمع زَبُور وهو ما يُزْبَرُ ويُؤْثَر يعني الكتاب، ولو أنَّ المؤلف قال: كزبُور داوود لكان أنسب للآية، لأن صحف إبراهيم ما ذكرَ الله أنها زبُرٌ لكن ذَكَر (( وآتينا داوود زبورا )).
(( والكتابِ المنير )) هو التوراة والإنجيل " نعم، الكتاب المنير الصواب أنَّه ليس التوراة والإنجيل بل كُلُّ كتاب بعث الله به الرسول ينِيرُ الطريق لأمَّتِه فيَشْمَل التَّوراة والإنجِيل والزبور وصُحُف إبراهيم وغير ذلك ما مِن رسول أرسلَه الله إلا معه كتاب (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ))[الحديد:25] وقال تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ))[البقرة:213] فلا يمكن أن نقول: إنَّ نوحًا عليه السلام أرسل بدون كتاب أبدًا، لابدَّ أنه أُرْسِل بكتاب لكن لا يلزم مِن كونه أرْسِلَ به أن يُذْكَر لنا هذا الكتاب، قال: (( والكتاب والمنير )) يقول المؤلف: " فاصبِر كما صبروا " هذه الواو حرف عطف والزُّبر معطوف على البينات بإعادَة حرف الجر، مثل ما قلنا إمَّا أنَّها للمصاحبة يعني: جاءوا مصطحبين هذا الأشياء أو أنَّها للتعدية كما تقول: أتيتُ بدرهم أتيتُ بطعام أتيت بشرابٍ وما أشبه ذلك، طيب يقول: فاصبر كما صبرُوا " وهل صبَرَ الرسول؟ نعم صبرَ صبرًا لا يصبِرُه إلا أولو العزم
الطلبة: فاعل.
الشيخ : فاعل، و أين المفعُول؟ محذوف أي: فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلَهم، قال: (( جاءتهم رسلُهم بالبينات والزبر [كذا] والكتاب المنير )) ومع ذلك كفروا جاءتهم رسلُهم بالبينات الباء هذه للمصاحبة ويحتَمِل أنها للتعدية يعني: أتَوْا بالبينة التي تُبَيِّن صدقَهم، وقولُ المؤلف: المعجزات هذا هو تعبير كثيرٍ من المتأخرين ولكنَّ الصواب أن يقال بالآيات وأنَّ (البينات) هذه صفة لموصوف محذوف تقديرُه: بالآياتِ البيناتِ أي الظاهرة، والآياتُ التي جاء بها الرسل حسبية ومعنوية، فمِن الآيات الحسية ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام مِن العصا واليد وغير ذلك، ومِن الآيات المعنية ما جاء به مِن التوراة، وكذلك عيسى وغيرُهما مِن الرسل كلُّ رسول لم يأتِ إلا بِبَيِّنَة، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من رسول أرسلَه الله إلا آتاه مِن الآيات ما يؤمِنُ على مثله البَشَر، وإنما كان كذلك، لأنه ليس مِن الحكمة ولا مِن الحُجَّة ولا مِن الرَّحْمة أن يُرْسَل رسولٌ إلى الخلق يستبِيحُ دماءَ المخالفين له وأموالَهم ونسائَهم بدون بَيِّنَة، حتى لو فُرِض أنَّ أحدًا كذَّبَه وهو لم يأتِ ببيِّنة لكان المكذِّبُ معذُورًا، لأنَّ البينة على المدِّعِي فكان مِن حكمة الله ورحمتِه وإقامة حجَّتِه أن يجعَل مع الرسل آيات تشهَد بصدق ما جاءُوا به، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنَّ الآيات التي جاءَت بها الرسل ولاسيَّما الآياتُ الحسية تكونُ مناسِبَةً لما كان في عصرِهم أو لأبرزِ الأمور في عصرِهم، وضربوا لذلك مثلًا بأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام جاءَ بالعصا واليد، لأنَّه اشتهر في عصره وبرز في عصرِه صناعَةُ السِّحْر فجاءَ بأمر فوقَ ما تجِيءُ به السَّحَرة، السحرة إنما يُمَوِّهُون ويُخَيِّلُون وهو جاء بالحقيقة، وألقَوْا حبالهم وعصيهم فإذا هو يُخَيَّلُ إليه مِن سحرهم أنها تسْعَى، يُخَيَّلُ إليه ولكنَّه ليس بحقيقة هو ألقى عصَاه فصارت حقِيقَةً فعليَِّة تلقف ما يأفِكُون، قالوا: وعيسى عليه الصلاة والسلام أتى في وقتٍ ترَقَّتْ فيه صناعَةُ الطب فجاء بأمرٍ يعجَزُ عنه الأطباء ولا يستطيعُونه جاء بإبراءِ الأكمَه والأبرَص وإحياءِ الموتى وخلقِ صورة من الطين يَنفخ فيها فتطير يتكون طيرًا حقيقيًّا وهذا يعجز عنه الطب، لا يمكن لأيِّ طبيب يكونُ أمامَه رجلٌ ميت فيقول: قم فيقُوم أبدًا، لا يمكن لأيِّ طبيب يأتي إلى المقابِر ويقف على القبر ويقول: اخرُجْ فيخرج، وعيسى يفعل ذلك كما قال الله تعالى: (( وإذ تخرج الموتى بإذني )) تخرِجُهم مِن مدافِنِهم، ولا يمكن لأن إنسان مِن الأطباء أو غيره أن يخلُقَ من الطير فينفخ فيه فيطير أبدًا، الأكمَه والأبرص لا يمكِن لأحدٍ أن يبرِئَه مِن المرض الذي أصابه بمثل ما يُبْرِئُهُ عيسى عليه الصلاة والسلام يُؤتَى إليه بذوي العاهات ويمسَح بيده عليه ويبرَأ يزُول بأنْ هذا البرص الذي قد ملَأ الجِلْد أو أكثرَه يُمِرُّ يدَه عليه فلا تتعدى يدُه مكانًا إلا عادَ على طبيعتِه نعم، هذا لا يسْتَطِيع أحدٌ مِن الأطباء مهما بلغَ في الطِبّ أن يصِل إلى هذا الحال، قالوا: ومحمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى قومٍ قد بلَغُوا في البلاغة ذُروتَها فجاء بكلامٍ لا يستطيعون مُبَاراتَه أبدًا وهو كلام الله، وتحدَّاهم الله تعالى في عدَّةِ آيات أن يأتُوا بسُورَة مثله أو بعشْرِ سُوَرٍ مثله أو بحديث مثله فلم يستطيعوا، المهم أنَّ جميع ما جاءت به الرسل آياتٌ بينات.
يقول: (( والزبر )) قال: كصُحُفِ إبراهيم " الزُّبُر جمع زَبُور وهو ما يُزْبَرُ ويُؤْثَر يعني الكتاب، ولو أنَّ المؤلف قال: كزبُور داوود لكان أنسب للآية، لأن صحف إبراهيم ما ذكرَ الله أنها زبُرٌ لكن ذَكَر (( وآتينا داوود زبورا )).
(( والكتابِ المنير )) هو التوراة والإنجيل " نعم، الكتاب المنير الصواب أنَّه ليس التوراة والإنجيل بل كُلُّ كتاب بعث الله به الرسول ينِيرُ الطريق لأمَّتِه فيَشْمَل التَّوراة والإنجِيل والزبور وصُحُف إبراهيم وغير ذلك ما مِن رسول أرسلَه الله إلا معه كتاب (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ))[الحديد:25] وقال تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ))[البقرة:213] فلا يمكن أن نقول: إنَّ نوحًا عليه السلام أرسل بدون كتاب أبدًا، لابدَّ أنه أُرْسِل بكتاب لكن لا يلزم مِن كونه أرْسِلَ به أن يُذْكَر لنا هذا الكتاب، قال: (( والكتاب والمنير )) يقول المؤلف: " فاصبِر كما صبروا " هذه الواو حرف عطف والزُّبر معطوف على البينات بإعادَة حرف الجر، مثل ما قلنا إمَّا أنَّها للمصاحبة يعني: جاءوا مصطحبين هذا الأشياء أو أنَّها للتعدية كما تقول: أتيتُ بدرهم أتيتُ بطعام أتيت بشرابٍ وما أشبه ذلك، طيب يقول: فاصبر كما صبرُوا " وهل صبَرَ الرسول؟ نعم صبرَ صبرًا لا يصبِرُه إلا أولو العزم