تفسير قول الله تعالى : (( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك )) حفظ
ثم قالَ الله عز وجل: (( ومِن الناسِ والدَّوَابِّ والأنعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُه كذلك إنَّما يَخْشَى اللهَ مِن عِبَادِه العُلَمَاءُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفُورٌ )) جُملة (ومِن الناس والدواب والأنعام مختلفٌ ألوانه) جُملة خبرية قُدِّمَ فيها الخبر على المبتدأ، و(ألوانُه) فاعل (مختلف)، لأن (مختلف) اسم فاعل واسمُ الفاعل يعمَل عمَل فِعْلِه، وقولُه: (كذلك) صفة لقولِه: (مختلف) يعني مُختلِفٌ كاخْتلاف مَا ذُكِر، وقوله (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) هي جملة أيضا مكونة مِن فعلٍ وفاعل ومفعُول به وفيها حَصْر، وطريقُه (إنما)، وجملة (( إنَّ الله عزيز غفور )) كالتعليل لِمَا قبلها كما سيأتي إن شاء الله، قال الله تعالى: (( ومِن الناس والدواب والأنعام )) النَّاس هُم البَشَر، قالوا: وأصلُها أُنَاس ولكنَّها حُذِفَتِ الهمزة تخفيفًا لِكثرةِ الاستعمال كما حُذِفَتْ مِن شَرّ وخير، وأصلهما أشَرّ وأَخْيَر، وحُذِفَت أيضًا مِن الله على قولِ كثيرٍ مِن علماء اللغة وأصلُها يكون: الإله، والمراد بالناس بنو آدَم، وسُمُّوا بذلك، لأنَّه يأنَسُ بعضُهم إلى بعض، قال: (الدواب) جمع دابة وتُطْلَق على عِدَّةِ معاني تُطْلَق على كل ما دَبَّ على الأرض كما في قولِه: (( والله خلق كل دابَّةٍ مِن ماء )) وكما في قوله تعالى: (( وما مِن دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقُها )) يشمَل كُلَّ ما دبَّ على الأرض مِن إنسان وحيوان وحشَرَات وغيرِ ذلك، وتطلقُ الدابة على ما يَدُبّ على بطنِه مثل الحَيَّات، وتطلَقُ الدابَّة على ذواتِ الأربَع كالحِمَار، فما المراد بها هذه الآية؟ نقول: المرادُ بها ما عدا الناس والأنعَام، فتشمَل كل ما دَبَّ على الأرض إلا النَّاس والأنعام، فإن قلت: لِمَاذا لا تجعلُها شاملة وتَجعل هذا مِن باب عطفِ العام على الخاصّ بالنسبة لـ(الناس) ومن باب عطف الخاصّ على العام بالنسبة لـ(الأنعام)؟ انتبه لأنَّه لو قال قائل: المراد بالدَوَابّ كلُّ ما دَبَّ على الأرض لكنَّها عُطِفَتْ على الناس مِن باب عَطْفِ العامّ على الخاص، وعُطِفَتِ الأنعامُ عليها مِن باب عطفِ الخاص على العام، قلنا: هذا ممكن لكنَّ التقسيم يُبْعِدُهُ فيكون المراد بالدوابّ ما عَدا الناس والأنعام، والمراد بالأنعام ما ينتفِعُ الناس به كما قال الله تعالى: (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون )) وقال تعالى: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ )) فيكون المراد بالأنعام هنا ايش؟ ما ينتَفِعُ الناس به كالإبل والبقر والغنم والطُّيُور الحلال وغير ذلك.
(( مُختلفٌ ألوانُه كذلك )) طيب (مختلفٌ ألوانه) هل المراد باللون الشكل أو الصِّنف أيضا؟ يشمَل، فالناس مثلًا تختلف ألوانُهم هذا أبيض وهذا أسود وهذا أحمَر وهذا بين ذلك واختلافُ اللون ظاهر، تختلف أجناسُهم أيضًا هذا ذكر وهذه أنثى، هذا عالم وهذا جاهل، هذا أحمق وهذا حلِيم، وعلى هذا فقِس، الدواب كذلك تختلف ألوانُها في الشكل وتختَلِفُ أصنافها وأنواعُها منها المؤْذِي ومنها الضَارّ ومنها النافِع، ومنها ما ليس بضارٍّ ولا نافع ولا مؤْذِي، فهي أربعَةُ أصناف: منها النافع ومنها الضارّ ومنها المؤذِي ولكن لا يضُرّ، ومنها ما ليس مؤذِيًا ولا ضارًّا، مثالُ النافع: الأنعام، ومثال الضارّ: الحيات والعقارب والسِّباَع وما أشبهَها، ومثال المؤذي: الصراصِر والخنفُساء والجُعلان وما أشبه ذلك، النامُوس قد يكون ضَار، ومثال ما ليس بمؤذٍ ولا ضار النَّمْل وغيرُه أيضًا مِن الدواب الكثيرة التي نشوفها ... ونرَى طيورًا تطير في الجو ليست حلالًا مثلًا ولكنها لا تضُر، طيب وقولُه: (( كذلك )) قال المؤلف: كاختلاف الثمار والجبال " فصارَ الاختلاف في مخلوقَات الله تعالى شاملًا للحيوان ولِمَا ينتفِعُ به الحيوان مِن الثمار وغيرِها ولِطبقاتِ الأرض كالجِبَال