تفسير قول الله تعالى : (( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور )) حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( ليوفيَهم أجورهم ويزيدَهم من فضله )) قال: (ليوفيهم) أي يعطيَهم أجورَهم وافِية كاملة، والضمير ضميرُ الفاعل يعود على الله في قولِه: (( إن الذين يتلون كتاب الله )) وقولُه: (ليوفيهم) اللام هذه للعاقِبَة وقيل: للتعليل، فعلى القول بأنَّها للعاقِبة تكون مُتعلِّقَة بـ(يرجون) يرجون تجارةً لن تبور عاقبتُهم أن يوفيَّهم الله أجورَهم، وعلى أنَّها للتعليل مُتعلِّقَة بـ(يتلون) و(أقاموا) و(أنفقوا) يعني يتْلُون لِيوفيَهم أجورهم، أقاموا الصلاة لِيوفيَهم أجورَهم، أنفقوا مما رزقناهم لِيوفِيَهم أجورَهم يعني قصَدُوا ما رَتَّبَ الله على هذه الأعمال مِن الأجور، وهذا الفعل يَنْصِب مفعولين أحدُهما هنا (الهاء) والثاني (أجور) وهو مِن أخوات؟
الطالب: من أخواتِ كسا.
الشيخ : نعمـ مِن أخوات كسا وأعطى، لأنه نصَبَ ما لا يصِحُّ أن يكونَ مبتدأً وخبرًا، وكلُّ فعل ينصِب مفعولين لا يصِحُّ أن يكون أحدُهما خبرًا عن الآخر فهو مِن باب (كسا) أي نعم، (( ليوفيَهم أجورَهم )) أي ثوابَ أعمالِهم المذكُورة " والتوفِية هذه معروفة لنا جميعا وهو أنَّ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، فمثلًا الصلاة حسنَة بعشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، ومع الجماعة تكون كم حسنة؟ سبعًا وعشرين حسنة كُلُّ حسنَة بعشرِ أمثالها، قال: (( ويزيدَهم مِن فضله )) معطُوفَة على (يوفيهم) ويزيدَهم من فضله يعني يزيدهم عطاءً وأجرًا مِن فضله، وهذا مِثْل قوله تعالى: (( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))[البقرة:261] وقولُه: (يزيدهم من فضله) يشمل الفضْل في الدنيا والآخرة، أمَّا في الدنيا فإنَّ الإنسان إذا عمِل العمل الصالح مخلصًا للهِ به حَبَّبَ الله إليه العمل حتى يزيدَ في العمل وهذا شيءٌ مُشَاهد، كذلك إذا أعطى وأنفَق زادَه الله مِن فضلِه قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفُه )) أي يأتي بخَلَفِه، فالزيادة إذًا تشمل زيادَة الأجُور وزيادة الأعمَال وزيادة المال المنْفَق منه، زيادة الأعمال لِأني قلت: كلما عملَ الإنسان عملًا صالحًا حبَّبَ الله إليه العمل وزاده فيه، زيادةُ المال (( وما أنفقتم مِن شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )) (( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ))[الروم:39] (ويزيدَهم مِن فضله) أي عطائِه الذي يتفضَّلُ به عليهِم.
(( إنَّه غفورٌ )) لذنوبِهم (( شكورٌ )) لطاعَتِهِم "
هذا تعلِيل لما سبق مِن توفيةِ الأجُور والزيادة مِن الفضل، يعني أنَّ الله عز وجل لكونه غفورًا رحيمًا صار يوفِّيهم أجورَهم ويزيدهم مِن فضله، وفي هذا إشارَة إلى مغفرةِ الله سبحانه وتعالى لِلعامِل وإلى شكرِه إيَّاه، (الغفور) صيغَةُ مُبَالَغَة، أو صفَةٌ مُشَبَّهَة مأخُوذَة مِن الغَفْر وهو السَّتْر مع الوِقَاية، لأنَّ أصل هذه المادَّة المـِغْفَر والمغفَر يحصُل به الستر والوقاية، إذًا ما معنى أنَّ الله غفور؟ معناه أن الله يستُر الذنوب ويتجاوَز عن العقوبة، وما أدري مَا أكثر ما نُذْنِب فيما بيننا وبين ربِّنا ومع ذلك يسترُها الله عز وجل، وإذا كان يوم القيامة عفَا عن عقوبَتِها وبذلك تَتَحَقَّقُ المغفرة، أمَّا الشَّكُور فنقُول في تصْرِيفه كما قلنا في غفور: إنَّه إما صِيغة مبالغة وأما صِفَة مُشَبَّهَة فهو سبحانه وتعالى شكُور أي يَشْكُر مَن عمِل العمل الصالح، ومِن شكرِه إيَّاه أنَّه يضاعف له الأجر الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وانظُر إلى كمال الله عز وجل في صفَتِه أنَّه هو الذي يَمُنُّ عليك بالعَمل ثم يشكُرُك عليه (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) سبحان الله العظيم، ربنا يُحْسِنُ إلينا ثم يقول: ما جزاءُ إحسانِكم إلا أن نُحْسِنَ إليكم، وهو الذي تَفَضَّل به أولًا ثم ثانيًا، وهذا يدُلُّك على سَعَةِ كرمِ الله والحمد لله وأنَّه عز وجل واسِع الكَرَم