تابع لتفسير قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه )) حفظ
ومنها ما ليسَ بوحي، أحيانًا يُسْأَلُ النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء ولا يُجِيب فينْزِلُ عليه الوحْي فيُجيب بحديثٍ نبويّ مثل قِصَّة يعلى بن أمية الذي كان أحرَم بالعمرة وهو متعَمِّق بالخَلُوق فسألَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولكنَّه لم يجبْه حتى جاءَه الوحي، وأحيانا يُسأَل عن الشيء ثم ينزِل به الوحي على أنَّه كلام الله قرآن فيبَلِّغُه للنبي صلى الله عليه وسلم، طيب يقول: (( الذي أوحينا إليك )) والمراد به هنا القُرآن قطعًا بدليل قولِه: (من الكتاب)، لأنَّ (مِن) بيانية تُبَيِّن الإبهام في اسْم الموصول (الذي) لأنَّ اسمَ الموصول فيه إبهَام فإذا جاءت (مِن) بعده بعد اسم الموصول فهي تبْيِنِيَّة، (( الذي أوحينا إليك مِن الكتاب )) القرآن " وهو كتاب بمعنى مكتُوب لأنَّ هذه الصيغة (فِعَال) تأتي كثيرا بمعنى مفعول، وأمثلَتُها غِرَاس بِنَاء فِرَاش بمعنى مغرُوس ومَبْنِي ومفرُوش فالكتاب بمعنى مكتوب، مكتوب في أي شيء؟ مكتوب في اللوح المحفوظ مكتُوبٌ في الصحف التي بأيدي الملائكة (( كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرامٍ بررة )) مكتُوب في المصاحِف التي بأيدينا، إذًا هو مكتوب على ثلاثة أوجه: اللوح المحفوظ، الصحف التي بأيدي الملائكة، الصحف التي بأيدينا، قال: (( هو الحق )) (هو) ضمير فصْل و(الحق) خبر (الذي) فـالذي أوحَى اللهُ إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم هو الحقّ أكَّدَ اللهُ ذلك بكم مؤكد؟ بمؤكِّدَين: ضمير الفصْل وتعريف ركني الجملة (الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق)، وقولُه: (الحق) يعني الشيء الثابت صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام، فأحكام القرآن كلها عدْل وأخبارُه كلُّها صِدْقٌ ليس فيها كَذِب بوجه مِن الوجوه، وليس في أحكامه جَوْر بوجه مِن الوجوه، لأنَّك إذا تأمَّلت أحكامَه وجدتَّه قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلهذا كان عدلًا في الأحكام، وإذا تأملْتَ أخبارَه وجدتَّها كلها صدقًا وهذا هو الصدق في الأخبار، وقد قال الله تعالى: (( وتمَّت كلمةُ ربِّك صدقًا وعدلًا لا مبدلَ لكلماتِه وهو السميع العليم )).
قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )) أخذْنا المناقشة فيها؟
(( مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه ))، قولُه مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه قال المؤلف: "
تقدَّمَه من الكتب " يعني مصدقًا لِمَا تقدَّمه مِن الكتب، لأنَّ الكتب التي سبقَتْه تكون بين يدَيْه، ألا ترى إلى الرجل يكُون أمامك فهو قد سَبَق وتقول: إنَّ الرجل بين يدَيّ، وربما يقال لِمَا بين اليدين للشيءِ المستَقْبَل لأنَّه أمامك أيضًا كما في قوله تعالى: (( يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم )) أي مستقبلَهم وماضِيَهم، وقوله: (مصدقًا لما بين يديه) كيفِيَّةُ التصديق للكتبِ السابقة مِن وجهين: الوجهُ الأول: أنَّه صدَّقَها أي أثبتَ أنها صادِقَة، فالقرآنُ يثبِتُ صِحَّة التورَاة والإنجِيل والزَّبور وغير ذلك من الكتب ويبَيِّن أنَّها صِدْق، كذلك الوجه الثاني: مصدقًّا لما بين يديه لأن الكتبَ السابقة أخبرَتْ به فنزولُه يكونُ تصديقًا لها فهو مصدِّقٌ لما بين يديه مِن وجهين: الوجه الأول أنَّه صدَّق ما سبقَه أي قال: إنَّها كتبٌ صادقَة ثابتة وأوجبَ الإيمانَ بها، والوجه الثاني أنَّه صدَّق ما أخبرَتْ به أي نزل مطابقًا لما أخبرَتْ به كما قال الله تعالى: (( وإنَّه لفي زُبر الأولين )) القرآن، (زُبُرِ الأولين) كتبِهم يعني أنَّه موجودٌ في كتبهم وأنه سوف ينزِل كما أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كذلك قد أُخِذَ العهد والميثاق على كل نبيّ أنَّ يصدِّقَ به قال الله تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ))[آل عمران:81] المهم أن تصديقه لما بين يديه مِن وجهَيْن، طيب قال: (( مصدقًا لما بين يدَيه ))