تفسير قول الله تعالى : (( إن الله بعباده لخبير بصير )) حفظ
(( إنَّ اللهَ بعبادِه لخبِير بصِير )) عالِم بالبواطِن والظواهِر " هذه الجملة تعلُّقُها بما قبلَها أنَّها تفيد تحذيرًا وإنذارًا وترغيبًا، فهي ترغيبٌ وترهيب لأنَّه لما أخبر بأنَّ هذا القرآن هو الحق فقد انقَسَم الناس في هذا الحق إلى قسمَين قسمٌ صدَّق به وقسم كفَر به أليس كذلك؟ طيب كلُّ هؤلاء نقول لهم: إنَّ اللهَ تعالى بكم خبيرٌ بصير فالذين صدَّقُوا به لن يضيعَ تصديقُهم وعملُهم بما جاء به لأنَّ الله خبيرٌ به وبصيرٌ به وسوف يجازيهم عليه، والذين كذَّبوا به أيضًا لن تخفَى حالُ هم على الله عز وجل فسوف يعاقبهم بما يقتضِيه تكذيبُهم وإنكارُهم واستكبارُهم، فالجملةُ إذًا هي باعتبار المصدِّقِين بهذا القرآن لايش؟ للبَشارة، وباعتبار المكذبين؟ للإِنذار والتحذير، وقوله: (خبير بصير) (خبير) اسم فاعل على صيغة المبالغة وإن شئتَ فقل: إنه صفة مشبَّهة وهو أحسَن بالنسبة لِمَا يتعلق بالعلِم الأحسن في هذا أن نقول: أنَّه مِن باب الصفة المشبَّهة لِماذا؟ لأنَّ الصِّفَة المشبهة تدُلُّ على الثبوت، لكن صيغَةُ المبالغَة قد تدُلُّ على الحدُوث، وحدُوث الخِبرَة في جانِب اللهِ عز وجل مستحِيل ولَّا لا؟ حدوث الخبرة مستحيل، لأنَّه لم يزَلْ ولا يزالُ خبيرًا، إذًا نعود فنقول: أنَّه يتعين أن نجعلَ (خبير) صفَةً مشبَّهَة لأنَّنا لو جعَلْناها صفة مبالغة مِن (خابِر) لكانت موهِمَة لِتجدُّدِ الخبرَة والعِلْم وهذا شيءٌ مستحيل في جانبِ الله عز وجل، طيب وقوله: (بصير) كلمة (بصير) قد يُرَادُ بها العِلْم وقد يراد بها الإدرَاك للرُؤْية وكلا الأمرين لا يُنَاقِضُ بعضُهما بعضًا، وقد مَرَّ علينا في قواعد التفسير أنَّ الآية إذا احتملَتْ معنيين لا يتناقَضَان فإنَّها تُحْمَل عليهما لأنَّ ذلك أوسع في معناهَا وأبلغ، فاللهُ عز وجل بصيرٌ بعبادِه مِن حيثُ النظر والرؤية ومِن حيث العلم، في جانب المعمولات المفعُولات الظاهرة تكون الرؤية والعلم أيضًا، وفي جانب المسموعَات يكونُ العلم (( إنَّ الله بعباده لخبير بصير ))