تفسير قول الله تعالى : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )) حفظ
ثم قال الله تعالى: (( ثم أورثْنا الكتاب الذين اصطفينا مِن عبادنا )) (أورثنا الكتاب الذين) أولَّا كلمة (أورث) هنا نصبَتْ مفعولين أصلُهما المبتدأ والخبر أو لا؟ ليس أصلُهما المبتدأ والخبر، وعلى هذا فهي من باب (كسا وأعطى) أين المفعول الأول وأين المفعول الثاني؟ انتبه! لا تتعجلون، (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا مِن عبادنا (الذين) هي الأول، و(الكتاب) هو الثاني لأنَّ الوارث مَن هل الكتاب وارثٌ (الذين) ولا (الذين) ورثوا الكتاب؟ الذين هم الذين ورثوا الكتاب يعني أورَثنا الذين اصطفينا مِن عبادنا الكتاب، وش معنى أورثْنَاه إيَّاه؟ أي جعلْنَاهم يرِثُونه، فالذين اصطفاهم الله أورثَهم اللهُ الكتاب أي جعلَهم يرثونَه، وكلمة (الكتاب) قال المؤلف: " القرآن " وينبغي أن نجعلَه أعم، لأننا لو قلنا: إنَّ الكتاب هو القرآن وقلنا إنَّه موروثٌ عمَّن سبقَنا لكانَ القرآنُ قد نزلَ على مَن سبقَنا، وليس الأمرُ كذلك فالمراد بالكتاب هنا الجنس لا خُصوصُ القرآن، يعني: أنَّ الكتبَ السابقة كلُّ ما فيها مِن الخير موجودٌ في القرآن فنحن ورِثْنا عمَّن سبقنا كلَّ ما أوتُوه مِن خير، فالأصول التي تجِب على كلِّ مسلم في أي زمانٍ ومكانٍ موجودة في القرآن، والشرائع التي تختلِف باختلافِ الأمم وباختلافِ الزمان والمكان هذه تختلف عمَّن سبق، قد يجِبُ علينا ما لا يجِب عليهم وقد يحرمُ علينا ما لا يحرم عليهم (( لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجًا )) أمَّا الأصول فقد ورثنَاها عنهم، فالأصول التي هي أمُّ الدين قد ورثناها عمَّن سبقنا.
قال: (( الذين اصطفينا من عبادنا )) (الذين اصطفينا) أي اختَرْنا وهو مأخُوذٌ مِن الصَّفْوة وأصله اصْتَفَينَا، لكن لعلةٍ تصريفية قلِبَتِ التاءُ طاءً فقيل: (اصطفينا من عبادنا) أي اخترناهم، وقولُه: (من عبادنا) هل المراد بذلك العبودية العامَّة أو الخاصة؟
الطالب: الخاصة.
الشيخ : يعني الذين اصطفيناهم مِن المؤمنين أو اصطفيناهم من جميعِ العباد؟ يظهَر أنَّها مِن العبودِيَّة العامة يعني الذين اختارَهم اللهُ تعالى مِن عباده الذين يخضَعُون له كونًا، والمراد بهم هذه الأمة بدليلِ قوله تعالى: (( كنتم خير أمة أُخْرِجَتْ للناس )) فالذين اصطفَاهم الله مِن عباده هم هذه الأمة، للآية التي سقناها وهي في آل عمران، ولدليلٍ آخر مِن هذه الآية نفسها لأنَّ هذه الأمة آخِر الأمم إذًا فلا يمكن أن يُورَثَ ما عندَها مِن الكتاب فهي وارثَةٌ غير موروثَة، إذا كانت وارثة غير موروثَة فهي التي اصْطُفِيَت