تفسير قول الله تعالى : (( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات )) حفظ
وقوله: (( فمنهم ظالم لنفسِه )) بالتقصير في العمل به " أي بالكتاب (( ومنهم مقتصد )) " يعمل به أغلب الأوقات (( ومنهم سابق بالخيرات )) يضُمُّ إلى العمَل التعلِيم والإرشاد إلى العَمَل (( بإذن الله )) " قسَّم الله تعالى هذه الأمة التي أورثَها الكتاب إلى ثلاثةِ أقسام وبدأَ بالأَقْلّ فالأقَل، الأقَلّ في المرتَبة فالأقل فقال: (( فمنهم ظالمُ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابِقٌ بالخيرات )) الظالمُ لنفسه هو الذي تركَ شيئًا من الواجِبات أو فعلَ شيئا مِن المحرمات، ترك صلاةَ الجماعة مع وجوبِها عليه، تركَ بعض الزكاة لم يخرجْهَا، تركَ الحجَّ على الفَور مع وجوبِه عليه على الفور، هذا نقول: إنه ظالمٌ لنفسه، فعلَ المحرمات شربَ الخمر زنا سرَق نظرَ نظرًا محرمًا هذا نقول: إنه ظالمٌ لنفسه كذا؟ معنى الظالِم في الأصل هو الناقِص لأنَّ الظُّلْم هو النَّقْص قال الله تعالى: ( كلتا الجنتين آتت أكلَها ولم تظلِم منه شيئًا )) يعني لم تنقُصْ، وكلّ مَن أساء فقد نقَص مما يجِبُ عليه ولهذا كلُّ عمل سيء يُعتَبَر نقصًا فيما يجِبُ عليه، لأنَّ الواجب عليك لنفسِك أن ترعَاهَا حقَّ رعايتها فأنت مسئولٌ أولَ ما تُسأَل عن نفسِك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ لنفسِك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقًّا ) فبدأَ بالنفس، فكما يجبُ عليك أن ترعى مصالح ولدِك ومالك وأهلِك يجبُ عليك أن ترعَى مصلحةَ نفسِك بل هو الواجِب الأول مِن حقوقِ المخلوقِين بعدَ حقِّ الله ورسولِه، طيب إذًا مَن فعلَ محرمًا فقد ظلمَ نفسَه ليش؟ لأنَّه نقصَها حقَّها في الأمانَة، أنت مُؤْتَمَن عليها يجِب أن ترعاها حقَّ رعايتها، مَن ترك واجبًا فقد ظلمَ نفسَه لأنَّ الواجِب عليه أن يفعلَ الواجِب لِيقومَ بحقِّ الأمانة فيما يتعلق بنفسِه، هذا الظالم لنفسِه، ومنهم مُقْتَصِد المقتَصِد هو الذي لم يقَعْ مِنه ظُلْمٌ لنفسه ولا تقدمٌ في الخير، أي قائمٌ بالواجبات تارِكٌ للمحرمات لكنه لا يُكْثِر مِن النوافل ولا يحرِص على إكمالِ الواجبات على الوجهِ الأكمل ولا يتجَنَّب المكروهات، مقتَصِد لا نقَص ولا زَاد، يصلِّي مع الجماعة ويزكِّي بدون نقص لكن لا يأتي بالنوافِل ولا بالصَّدقَات التطوع، يؤدي فريضةَ الحج لكن لا يعود، يصومُ رمضان لكن لا يصُوم نفلًا، وهكذا يؤدِّي ما عليه مِن المعاملات بين الناس على الوجهِ الواجِب فقط، لا يتسامَح عن فقير ولا يُنَزِّل مِن قيمة أو ثمَن لكنَّه ماشِي على ما يجِب عليه، نقول: هذا مقتَصِد هذا لا له ولا عليه، يعني ليس له ثواب إلا ثواب فعل الواجب فقط، الثالث: سابقٌ بالخيرات هذا يأتي بالواجِبَات ويزيدُ ما شاء الله تعالى مِن الخيرات، ويأتي بالواجبات أيضا على الوجه الأكمَل الأتَمّ، فالصلاة مثلًا لا يقتَصِرُ فيها على تسبيحةٍ واحدة بل يزيد، لا يقتصِر على الفاتحة بل يزِيد، لا يقتصر على أن يضَعَ يديه مثلا مطلقَة هكذا بل يضَعُها في موضِعِها في حالِ القيام وفي حال الركوع وفي حال السجود وهكذا، نقول: هذا سابقٌ بالخيرات يؤدِّي الزكاة ويتصدق، يحُج الواجب ويتطَوَّع، يصوم رمضان ويتَنَفَّل بغيره مِن الصيام، هذا نقول: إنَّه سابق بالخيرات، أمَّا قولُ المؤلف رحمه الله إنَّ معنى (سابق بالخيرات):" يضُمّ إلى العمَل التعليم والإرشاد إلى العمَل " ففي هذا نظَر ظاهِر، لماذا؟ لأنَّ التعليم قد يكونُ واجبًا، وإذا قامَ بالتعليم الواجب صارَ مِن السابِق بالخيرات أو مِن المقتصد؟ مِن المقتصد، وإن تركَه صارَ مِن الظالم لنفسه، وكذلك نقول في الإرشاد، الإرشاد الواجِب إذا قام به صارَ مقتصدًا وإن تركَه صارَ ظالمـًا لنفسِه، ولكن ما قلنا هو الصواب، طيب ما تقولُون في اختلافِ المفسِّرِين في هذه الآية فمنهم من يقول: فمنهم ظالمٌ لنفسه كالمانع للزكاة، ومنهم مقتصِد كالمقتصِر عليها، ومنهم سابقٌ بالخيرات كالزائدِ عليها، وآخر يقول: فمنهم ظالم لنفسه مؤخِّرٌ للصلاة عن وقتِها، ومنهم مقتصد فاعلٌ لها في وقتها ومنهم سابق للخيرات فاعلٌ لها في أولِ وقتها أي فِي الوقت الذي يُسْتَحَبّ أن تقامَ فيه هل بين القولين خلاف؟ لا ليس بينهما خلاف هذا يُسمَّى اختلاف تنَوَّع يعني أنَّ كل واحد منهما من القائلَيْن ذكر نوعًا فيكون هذا على سبيل التمثِيل ولا يُعَدَّ هذا خلافًا في الوقع ولكنَّه تمثيل هذا مثَّل بالزكاة وهذا مثَّل بالصلاة.
طيب وقوله: (( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله))