تفسير قول الله تعالى : (( بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير )) حفظ
(( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)) قال المؤلف: بإرادتِه " الكونية ولا الشرعِيَّة؟ الظاهر أننا نُغَلِّب هنا الكونية يعني أنَّ هؤلاء الأقسام الثلاثة الظالم والمقتصد والسابق كلهم يفعَلُون هذا بإذنِ الله، فالله تعالى هو الذي أذِنَ للظالم نفسِه أن يظلِم نفسَه، وللمقتصد أن يقتصِدَ على ما يجب، وللسابق أن يزيد، وتقييد هذا بإذنِ الله لئَلَّا يفتخِرَ مفتخرٌ بكونه سابقًا للخيرات فيَضُيفُ الشيء إلى نفسِه ويمُنُّ به على ربِّه كما قال الله تعالى عن بعض بني آدم: (( يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمُنُّوا علي إسلامَكم بل الله يمُنُّ عليكم أن هداكم للإيمان )) فأنت إذا مَنَّ الله عليك بسبقٍ بالخيرات لا تظنَّ أنَّ هذا من نفسك لو وُكِلْتَ إلى نفسك لكنت ظالمـًا لنفسِك، لقوله تعالى: (( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ))[الأحزاب:72] هذه حقيقةُ الإنسان الظُّلم والجَهَالة لكن مَن مَنَّ اللهُ عليه وهداه فهو مِن فضلِه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: (( ذلك هو الفضل الكبير )) ذلك أي إرثُهُم الكتاب (( هو الفضل الكبير )) نعم صدَق الله الفضلُ الكبير الذي لا يدانِيه فضْل هو مِنَّةُ الله على عبدِه بالعلم بهذا الكتاب هذا هو الفضلُ الكبير، ليس الفضلُ الكبير بأن يُعطَى الإنسان قصورًا أو مراكِب فخمَة أو زوجَات حسنَاء أو أبناءٍ كثيرين لَا الفضْلُ الكبير أن يُورَثَ هذا الكتاب كلُّ مَن ورِث هذا الكتاب علمًا وعملًا ودعْوة فهو الذي حازَ الفضل الكبير قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58] وفي قوله: (( ذلك هو الفضل )) فيها أدَاة حصر وهو ضَمير الفصل (ذلك هو الفضل) وضميرُ الفصل نذكرُه هنا لِمَن فاتَه العلم به ضميرُ الفصل هو ضَميرٌ يأتي مطابقًا للسياق يأتي بصورة الغائب كـ(هو) وبصورة المخاطب كـ(أنت) وبصورة المتكلم كـ(أنا) قال الله تعالى: (( وقل إنِّي أنا النذير المبين )) (إنِّي أنَا النذِير) هذا أتَى بصورة المتكلم، وتقول لِمَن تخاطبه إنَّك أنت القائم (( ذُق إنَّك أنت العزيز الكريم )) هذا في صورة المخَاطَب، وفي صورة الغائب كثير منه هذه الآية (( ذلك هو الفضل الكبير )) إذًا فضَميرُ الفصل ضميرٌ يؤتى به مطابقًا للسياق من حيث التكلم والخطاب والغَيْبَة وهو مِن حيث الإعراب لا مَحَلَّ له ليس له محَل مِن الإعراب، أمَّا مِن حيث المعنى فيفِيد ثلاثة أمور يفِيد التوكيد والحَصْر والتمييز بين الخبر والصِّفَة ثلاثة أمور عيسى! ما هي؟
الطالب: ...
الشيخ : ... تقول مثلًا: زيدٌ الفاضل فيه ضمير فصل ولَّا لا؟ ما فيه ضمير فصل هنا يحتَمِل أن تكونَ (الفاضل) خبرًا وتحتمل أن تكون صِفَة والخبر لم يأتِ، ممكن أن نقول: تقديرُ الكَلام: زيدٌ الفاضِلُ قائِم ما يمكن هذا؟ يمكن فتكون (الفاضل) صفة، فإذا قلت: زيدٌ هو الفاضل تعيَّن أن تكون (الفاضل) هنا خبرًا ما يمكن تكون صفة إذًا فهو يميِّز بين الصفة والخبر فيكون ما بعده خبرًا لا صِفَة، ولولاه لكان محتمِلًا أن يكونَ خبرًا أو صفة هذا شرح قولِنا: التمييز بين الخبر والصفة، يفِيد الحصر إذا قلت: زيدٌ فاضِل هل يمنع أن يكون غيرُه فاضلًا؟ لا يمنَع فإذا قلت: زيد هو فاضل، أو زيد هو الفاضل تعيَّن أن يكون زيدٌ وحدَه هو الفاضل، التوكيد لا شكَّ أن قولَك: زيد الفاضل تريد المبتدأ والخبر لا شكَّ أنها جملة تامة ومعناهَا واضِح، لكن إذا قلت: زيدٌ هو الفاضِل كأنَّك اتَّكَأْت عليها وزدتَّها توكيدًا، قال: (( ذلك هو الفضل الكبير )) الفضْل بمعنى العطَاءُ، العطاءُ مِمَّن؟ مِن الله، (الكبير) مِن حيث الحجم فهو كبير في كيفِيَّتِه ونحن نعلم مِن جهةٍ أخرى أنه كثِيرٌ في كَمِّيَّته فيجتمِع في هذا العطاء يجتمِع فيه الكَمِّيَّة والكَيْفِيَّة فهو فَضْلٌ كبيرٌ في ذاتِه وكيفيته وفضل كثِير أيضًا في عددِه وكمِّيَّتِه (ذلك هو الفضْل الكبير)