فائدة : على أن القرآن مثاني ، وعلى أن الإنسان يدور بين الخوف والرجاء حفظ
ولا تكاد تجد آياتٍ في القرآن يُذكَر فيها معنًى إلا وذُكِر ما يقابله لأنَّ القرآن مثاني لئَلَّا تتمادى النفس في الرَّجاء إذا ذُكرَ النعيم وحده، فإنَّ النفس تتمادى في الرجاء وحينئذ تأمَن مكرَ الله، ولو ذُكِر الوعيد وحده لتمادَتِ النفس في الخوف فقنِطَت من رحمة الله، ولكن الله سبحانه وتعالى يذكر هذا تارة وهذا تارة حتى يكون الإنسان سائرًا مِن غير ميل إلى الرجاء ومِن غير ميلٍ إلى الغُلُوّ، وهذه المسألة اختلَف العُبَّادُ فيها هل الأولى أن يسير الإنسان إلى ربه بين الخوفِ والرجاء فيكون خائفًا راجيًا، أو الأولى أن يُغَلِّب الرَّجاء إحسانًا للظنّ بالله عز وجل، أو الأولى أن يُغَلَّب الخوف؟ نعم في هذا خلاف بين العلماء الإمام أحمد رُويَ عنه أنه قال: " ينبغي أن يكون خوفُه ورجاءُه واحدًا فأيُّهما غلَبَ هلكَ صاحبُه )) لأنَّه إن غَلَّب الرجاء أَمِن الإنسان مِن مكر الله، وإن غلَّب الخوف قنِطَ مِن رحمة الله فيكون خوفُه ورجاءُه واحدًا، قالوا: فالخوف والرجاء كالجناحَيْن للطائر إن هبطَ أحدُهما مالَ الطائر إليه واختَلَّ توازُنُه، وإن تساويا استقام الطائر واعتدَل توازنُه، وقال بعض أهل العلم: بل هذا يختلف باختلافِ الأحوال فإذا فعلَ الإنسان الطاعة فليغلِّبِ الرجاء وأنَّ الذي وفَّقَه لها سوف يقبلُها منه ويثيبُه عليها، كما قال الله تعالى: (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) إذا وُفِّقْتَ للدعاء وفقتَ للإجابة إذا وُفِّقْتَ للعمل وُفِّقْت للقَبُول، وإذا عمل المعصية فليغلِّب جانب الخوف وليرجِع إلى ربه لأنَّه إن غلَّب جانبَ الرجاء بعد فعل المعصِيَة فإنه لا يتُوبُ منها، ويقول: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ويقول: الله غفور رحيم وما أشبه ذلك، فيكون تغليبُ الرجاء في حال وتغليبُ الخوف في حال أخرى، وقال بعض العلماء: نعم يغلِّب الخوف في حال والرجاء في حال لكن لا باعتبارِ العمل بل باعتبار الحال فإذا كان مريضًا فليغلِّب جانب الرجاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يموتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسِنُ الظنَّ بالله ) وإن كان صحيحًا فليغلِّب جانبَ الخوف، والمناسبة قالوا: لأنَّ المريض تضعُفُ نفسه و تنكسِر وليس يمِيلُ إلى الدنيا ولكنه يهتَمُّ بما أمامه فليغلّب جانب الرجاء، ليس هناك نفسٌ تتطلع إلى الدنيا وتنغَمِس في الترف بل نفسُه قد رقَّت وآوَت إلى الآخرة، وأمَّا إذا كان صحيحًا فإنَّ النفس الآن فيها شُحّ وتطلُّع للدنيا وإسرافِها فيغلِّب جانب الخوف، على كل حال ممكن أن نقول: إذا وُجِدَتْ أسبابٌ يخاف الإنسان على نفسه مِن تغليب جانب الرجاء فليقدِّم الخوف، وإن وُجدَت أسبابٌ تقتضِي أن يخافَ الإنسان وييأَس من رحمة الله فليغلِّب جانبَ الرجاء، يعني إذا فعلَ أسباب الرجاء فليغلِّب الرجاء وإذا وجدت أسباب الخوف فليغلِّب جانب الخوف