تفسير قول الله تعالى : (( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور )) حفظ
ثم قال الله تعالى: (( والذين كفروا لهم نار جهنم )) {هذا مبتدا درس اليوم} قال الله تعالى: (والذين كفروا لهم نارُ جهنم) هنا قال: (والذين كفروا لهم نارُ جهنم) فأتَى أوَّلًا بالمبتدأ ثم أتَى بالمبتدأ وخبر آخر، وهذا يفيد التوكيد فهو أشدُّ توكيدًا من مثل قولِه تعالى: (( وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ))، لَمَّا قال: (والذين كفروا) بقِيَ الذهنُ مُتَشَوِّفًا مُتَطَلِّعًا إلى الخبر، ما الذي يكون لِهؤلاء قال: لهم (نار جهنم) أعوذ بالله يعني ليس لهم إلا ذلك (نارُ جهنم) وهذا مِن باب إضافة الموصُوف إلى صفتِه لأنَّ النار يُعَبِّرُ عنها أحيانًا وحدَها يُعَبَّر عن النار بالنارِ وحدَها، (( واتَّقوا النار التي أُعِدَّت للكافرين )) وأحيانًا يُعبَّر بجهنَّم عنِ النَّار مثل: (( حسبُهم جهنَّم )) (( إن الذين كفروا مِن أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم )) لا، مثل هذا مُضافة، وأحيانًا تُضاف النار إلى جهنم وحينئذ يقَعُ الإنسان في إشكال يقول: كيف يضافُ الشيءُ إلى ذاتِه أو إلى نفسِه فالنار هي جنهم وجهنم هي النار، يا علي! وين ..؟ نقول: إضافَتُها هنا مِن بابِ إضافة الموصوف إلى صفته ولهذا لا يقال: جهنم نار، ولكن يقال: نار جنهم، فجهَنَّم علَمٌ مِن باب اللقب وأنتم تعرفون أنَّ العلم اسم وكنية ولقب، فجهنم اسم علم لكنه مِن باب اللقب، والعلَم اللقب بمنزلة الصفة يعني بمنزلة النَّعت لأنَّ اللقب عندهم ما أشعرَ بمدح أو ذمّ، وبناءً على ذلك يتبيَّن أنَّ مثل هذا التركيب (نار جهنم) مِن باب إضافة الموصوف إلى صفته كيف ذلك؟ النار هي هذا الجوهَرُ الحارُّ المعروف، جهنَّم أصلُها من الجُهْمَة وهي الظُلْمة لِبُعْدِ قعرِها وخلوِّهَا مِن النور، ومِن هنا نعرف أنَّ هذا الاسم فيه شيءٌ مِن الاشتقاق فيكونُ دالًّا على وصْف.
(( لهم نارُ جهنَّم لا يقضَى عليهم فيموتُوا ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابِها )) (لا يُقْضَى عليهم) بالموت (فيموتوا) ويستريحوا " نعم قال الله تعالى في ذلك: ( فإنَّ له نار جهنَّم لا يمُوت فيها ولا يحيى )) لا هو ميِّت فيستريح ولا حيٌّ حياةً يتنعم فيها بل هو في شقاءٍ دائم، يتمنَّوْن الموت ولكن لا يحصُل لهم (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )) فهنا يقول: (( لا يقضى عليهم فيموتُوا )) أي لا يُقضَى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحون، والفاء في قولِه: (فيموتُوا) فاء السببية والفعلُ بعدها منصوب بحذف النون، والواو فاعل، لوقوعه بعد النفْي الكَائِن في قوله: (لا يقضى عليهم).
قال: (( ولا يخفف عنهم من عذابها )) طرفةَ عين " فهم في عذابٍ مستمر لا يستريحون منه لا بموت ولا بنوم ولا بتخفيف والعياذ بالله (( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ))[غافر:49] شوف الذُلّ والعياذ بالله (ادعوا ربكم) كأنهم آيِسُون أن يدعُوا الله لأنَّ الله قد قال لهم: (( اخسئُوا فيها ولا تكلمون )) فيطلبُون الوسائط (ادعوا ربكم)، ثم هذا يعني استجدَاءٌ ضعيف يُخفِّف ولم يقولوا: يمنَع فطلَبوا التخفيف يومًا ولم يقولوا: دائمًا فهنا يظهَر أثَرُ الضَّعْف عليهم والذُلّ والهوان مِن ثلاثة وجوه أولًا: أنهم طلبوا الشفعاء فلا يستطيعون أن يتكلموا، ثانيًا: طلبوا التخفيف دون المنْع النهائيّ، ثالثًا: أنهم طلبوا ذلك يومًا من الأيام لا دائمًا، ولكن هل تُجيبُهم الملائكة؟ تجيبُهم بالتوبِيخ والعياذُ بالله (( قالوا أو لم تكُ تأتيكُم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعُوا )) قال الله تعالى: (( وما دعاءُ الكافرين إلا في ضلَال )) فهنا لا يُقضَى عليهم فيموتوا ولا تُجابُ دعوتهم في ذلك ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابها ولا يومًا واحدا لأنَّهم قد أُنذِرُوا وقامَتْ عليهم الحُجَّة مِن كل وجه.
قال الله تعالى: (( ولا يخففُ عنهم مِن عذابها كذلك )) كما جَزَيْنَاهُم (( نجزي كلَّ كَفُور )) كافر، بالياء والنون المفتُوحة مع كسرِ الزاي ونصبِ (كلّ) " المؤلف رحمه الله أجمَل في بيانِ هاتين القراءتين إجمالًا مخلًّا القراءتان: (كذلك نَجزِي كل كفُور) بالنون المفتوحة والزاي المكسورة ونصب (كل)، ووجه هذه القراءة ظاهر لأنَّ (نجزي) فعل مضارع نعم، وفاعلُه مستَتِر، و(كل) مفعول به: القراءة الثانية: (كذلك يُجزَى كُلُّ كفورٍ) وصنِيع المؤلف لا يؤدِّي هذا المعنى بل ظاهرُه أنَّ (كل) منصوبَة على القراءتَيْن، وأيضًا ظاهرُه أنَّ الزاي مكسورة على القراءتَين، وأن الياء مفتوحة على القراءتَين، (نَجزِي كل كفور) عرفتم؟ والقرَاءَة (يُجزَى كلُّ كفور)، طيب نرجع الآن إلى كلمة (كذلك) (كذلك) ترِدُ كثيرًا في القرآن الكريم ويقول المعرِبُون إنَّ الكافَ مفعولٌ مطلق، وأنَّ تقدير الكلام مثلَ ذلك الجزاء نجزِي، عامل هذه المفعول المطلق ما بعدَه مِن الفعل، (كذلك نجزي الظالمين) أي: مثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين، (كذلك نجزي كلَّ كفور) أي مثل ذلك الجزاء نجزِي كلَّ كفور، وقوله: (كلَّ كفور) قال المؤلف: كافر " يعني أنَّ صيغة المبالغة هنا لا تُرَاد بل مُطلَق الكفْر موجِبٌ لهذا الجزاء، لأنَّك لو اعتبرْتَ صيغة المبالغة بظاهِر معناها لكان لا يُجزَى هذا الجزاء إلا مَن تكرَّرَ كفرُه، ولكن لا يمنَع أن نقُول: إنَّ (كفور) هنا صفة مشبَّهَة ويكون المعنى: كلَّ مَن اتَّصَف بالكفر والله أعلم.
(( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يُقْضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم ))
(( لهم نارُ جهنَّم لا يقضَى عليهم فيموتُوا ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابِها )) (لا يُقْضَى عليهم) بالموت (فيموتوا) ويستريحوا " نعم قال الله تعالى في ذلك: ( فإنَّ له نار جهنَّم لا يمُوت فيها ولا يحيى )) لا هو ميِّت فيستريح ولا حيٌّ حياةً يتنعم فيها بل هو في شقاءٍ دائم، يتمنَّوْن الموت ولكن لا يحصُل لهم (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )) فهنا يقول: (( لا يقضى عليهم فيموتُوا )) أي لا يُقضَى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحون، والفاء في قولِه: (فيموتُوا) فاء السببية والفعلُ بعدها منصوب بحذف النون، والواو فاعل، لوقوعه بعد النفْي الكَائِن في قوله: (لا يقضى عليهم).
قال: (( ولا يخفف عنهم من عذابها )) طرفةَ عين " فهم في عذابٍ مستمر لا يستريحون منه لا بموت ولا بنوم ولا بتخفيف والعياذ بالله (( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ))[غافر:49] شوف الذُلّ والعياذ بالله (ادعوا ربكم) كأنهم آيِسُون أن يدعُوا الله لأنَّ الله قد قال لهم: (( اخسئُوا فيها ولا تكلمون )) فيطلبُون الوسائط (ادعوا ربكم)، ثم هذا يعني استجدَاءٌ ضعيف يُخفِّف ولم يقولوا: يمنَع فطلَبوا التخفيف يومًا ولم يقولوا: دائمًا فهنا يظهَر أثَرُ الضَّعْف عليهم والذُلّ والهوان مِن ثلاثة وجوه أولًا: أنهم طلبوا الشفعاء فلا يستطيعون أن يتكلموا، ثانيًا: طلبوا التخفيف دون المنْع النهائيّ، ثالثًا: أنهم طلبوا ذلك يومًا من الأيام لا دائمًا، ولكن هل تُجيبُهم الملائكة؟ تجيبُهم بالتوبِيخ والعياذُ بالله (( قالوا أو لم تكُ تأتيكُم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعُوا )) قال الله تعالى: (( وما دعاءُ الكافرين إلا في ضلَال )) فهنا لا يُقضَى عليهم فيموتوا ولا تُجابُ دعوتهم في ذلك ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابها ولا يومًا واحدا لأنَّهم قد أُنذِرُوا وقامَتْ عليهم الحُجَّة مِن كل وجه.
قال الله تعالى: (( ولا يخففُ عنهم مِن عذابها كذلك )) كما جَزَيْنَاهُم (( نجزي كلَّ كَفُور )) كافر، بالياء والنون المفتُوحة مع كسرِ الزاي ونصبِ (كلّ) " المؤلف رحمه الله أجمَل في بيانِ هاتين القراءتين إجمالًا مخلًّا القراءتان: (كذلك نَجزِي كل كفُور) بالنون المفتوحة والزاي المكسورة ونصب (كل)، ووجه هذه القراءة ظاهر لأنَّ (نجزي) فعل مضارع نعم، وفاعلُه مستَتِر، و(كل) مفعول به: القراءة الثانية: (كذلك يُجزَى كُلُّ كفورٍ) وصنِيع المؤلف لا يؤدِّي هذا المعنى بل ظاهرُه أنَّ (كل) منصوبَة على القراءتَيْن، وأيضًا ظاهرُه أنَّ الزاي مكسورة على القراءتَين، وأن الياء مفتوحة على القراءتَين، (نَجزِي كل كفور) عرفتم؟ والقرَاءَة (يُجزَى كلُّ كفور)، طيب نرجع الآن إلى كلمة (كذلك) (كذلك) ترِدُ كثيرًا في القرآن الكريم ويقول المعرِبُون إنَّ الكافَ مفعولٌ مطلق، وأنَّ تقدير الكلام مثلَ ذلك الجزاء نجزِي، عامل هذه المفعول المطلق ما بعدَه مِن الفعل، (كذلك نجزي الظالمين) أي: مثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين، (كذلك نجزي كلَّ كفور) أي مثل ذلك الجزاء نجزِي كلَّ كفور، وقوله: (كلَّ كفور) قال المؤلف: كافر " يعني أنَّ صيغة المبالغة هنا لا تُرَاد بل مُطلَق الكفْر موجِبٌ لهذا الجزاء، لأنَّك لو اعتبرْتَ صيغة المبالغة بظاهِر معناها لكان لا يُجزَى هذا الجزاء إلا مَن تكرَّرَ كفرُه، ولكن لا يمنَع أن نقُول: إنَّ (كفور) هنا صفة مشبَّهَة ويكون المعنى: كلَّ مَن اتَّصَف بالكفر والله أعلم.
(( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يُقْضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم ))