فوائد قول الله تعالى : (( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير )) حفظ
قال الله تعالى: (( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ))[فاطر:37] إلى آخرِه، مِن فوائد الآية الكريمة بيانُ شِدَّةِ عذابِ أهلِ النار وجْهُ ذلك قوله: (يصطرخون فيها ربنا أخرجنا).
ومن فوائدِها أيضا إقرارُهم واعترافُهم بأنَّه لا يملك دفعَ الضر عنهم إلا الله، لتوجِيهِهم النداء إلى الله سبحانه وتعالى والاستغاثةَ به في قوله: (( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل )).
ومن فوائدِها إقرارُهم بأنَّ أعمالَهم في الدنيا غيرُ صالحة لقولِهم: (( نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل )) وهم كما يقرون بأنَّ أعمالهم في الدنيا غير صالحة يقرُّون بأنَّهم غير عقلاء أيضًا لقولهم: (( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ))[الملك:10]، ولكن لا ينفَعُهم هذا لأنه بعد فواتِ الأوان، وانظر إلى جوابِهم: (أو لم نعمركم) إلى آخره.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الله عز وجل أقام على الكافرين الحجة مِن وجهين أنه عمَّرهم وقتًا يمكنهم أن يتذكروا فيه، وثانيًا أنه جاءتهم رسل فلا عذرَ لهم.
ومن فوائدها توبيخ أهل النار بمثل هذا الكلام، لأنَّ هذا الكلام قد يكون أشدَّ عليهم من العذاب لِمَا فيه من التنديم وتجديد الحزن عليهم والتمَنِّي الذي لا ينفَعهم.
ومن فوائد الآية الكريمة الردّ على الجبرِيَّة الذين يحتَجُّون بالقدَر على المعاصي يقولون: لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائها ولا حرمنا من شيء، وجهُ الرد قوله: (( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ))[فاطر:37] ولو كانَ القدر حجَّةً لم يكفِي ما ذُكِر في الاحتجَاج عليهم.
ومن فوائد الآية الكريمة إثباتُ رحمةِ الله عز وجل وإعذارِه لخلقِه حيث أرسلَ إليهم، الرسل فإنَّ إرسال الرسل فيه رحمة وفيه أيضا إعذَار وإقامة حجة.
ومن فوائد الآية الكريمة إهانَةُ هؤلاء الذين في النار لقولِه: (( فذوقوا )) فإنَّ الأمر هنا للإهانة فيهَانُون والعياذ بالله بالعذاب والتوبيخ وغيرِها من أنواع الإهانات.
ومن فوائدها تَيْئِيسُ هؤلاء مِن الخلاص مِن النار لقولِه: (( فذوقوا فما للظالمين من نصير )).
ومن فوائدها أيضا بيان أنَّ الكفر ظلم لقوله: (( فما للظالمين من نصير )).
ومن فوائد الآية الكريمة الإظهار في موضِع الإضمار لقولِه: (فما للظالمين) ولم يقل فما لكم مِن نصير، فذوقوا لو أنَّ السياق جرى على ما هو عليه لقال: فما لكُم، لكنَّه قال: فما للظالمين.
ومن فوائدها التفنُّن في الأسلوب أو اختيار الوصف الذي يكون أبلَغَ في إقامة الحجة كيف ذلك؟ لأنَّه عدل عن قولِه: فما للكافِرين إلى (فما للظالمين) فإمَّا أن يكون هذا مِن باب التفنن في التعبير حتى لا يلحَقَ المخاطب سآمَة لِتكرُّر الألفاظ عليه، وإمَّا أن يكون هذا مِن باب العدول عن الوصف إلى وصفٍ أبينَ منه في إقامَةِ الحجة، والثاني أقومُ في المعنى لأنَّه لو قال: فما للكافرين لم يبيِّن أنَّهم ظلمَة بكفرهم لكن لما قال: (فما للظالمين) صارَ فيه إشارة إلى أنهم بكفرِهم كانوا ظلمَة غيرَ مظلومِين، (( وما ظلمُونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ))، ثم قال الله تبارك وتعالى