تابع لتفسير قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا )) حفظ
... وأما قولُه: (( واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) فإنَّ هذا من باب تعميمِ العقوبة التي لا يخلوا أهل الإحسان مِن التقصير، أمَّا لو قاموا بما يجِب عليهم فإنَّ العقوبة لا تعمُّهم لأنَّ الله تعالى يقول: (( وينجِّي الله الذين اتقَوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون )) ولأنَّ الواقع شاهدٌ بذلك فنوح وهود وغيرُهما مِن الرسل أنجاهمُ الله مع أنَّه أخذَ أقوامَهم بالعقوبة.
يقول عز وجل: (( فمن كفَر فعليه كفره )) أي وَبالُ كفرِه " (( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا )) نعم كفْرُ الكافرين عند الله لا يزيدُهم إلا مقتًا لا يزيدهم عند الله مُحابَاةً لهم أو رحمةً بهم لأنَّ الحجة قامت عليهم فكلما ازدادوا كفرا ازدادوا بُغضًا، قال المؤلف: في (مقتا) غضبًا" والمعروف أن المقْت أشدُّ البغض قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ))[الصف:3] وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ))[غافر:10] وهذا يدُلّ على أن المقتَ هو البغض لكنَّهم قالوا: إنَّه أشدُّ البعض فتفسيرُ المؤلف له بالغضَب فيه نظَر، قال: (( ولا يزيدُ الكافرين كفرهم إلا خسارًا )) فبيَّن هنا أنَّ الكفرَ سببٌ لشيئيْن الشيء الأول: نزُول مرتَبَة الكافر فإنَّ كفرَه لا يزيدُه عند الله إلا بغضًا، والثاني: العقوبة التي تحصُل له وذلك بالخسارة فماذا يخسَر؟ يخسَر نفسَه وأهلَه ودنياه وآخِرَته (( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ))[الزمر:15] فهو خَسِر نفسه لأنَّه لو آمَن لَرَبِح ونالَ ثوابَ الآخرة بالجنة وهذا ربح، أمَّا الآن فقد أهلكَ نفسه ففاتَت عليه، خسِر أهله لأنَّه لو آمَن واتبعه أهلُه بالإيمان صارُوا في الجنة في منزلة واحدة، خسِر دنياه لأنه لم يستفِدْ مِن وجوده في الدنيا شيئا بل استفاد الخسارة والعمَل السيء، خسِر الآخرة أيضًا لأنه فاتَه النعيم المقِيم في الآخرة وصارَ مِن أصحاب الجحيم، فلا أحدَ أعظَمُ خسارةً مِن الكافر والعياذ بالله، حتى وإن كان في الدنيا مُنَعَّمًا نعمَة جسد فهو في الحقيقة معذبٌ عذابَ قلب لأنَّه ليس عند الكافر انشراحُ صدْر كما عند المسلم، يقول الله تعالى: (( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ))[الزمر:22] يعني فمَن لم يكن كذلك فهو على ظُلْمَة، طيب نأخذ الفوائد كما اقترحْتم