فوائد قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا )) حفظ
يقول الله تعالى: (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض )) إلى آخرِه يستفَادُ منها تمامُ قدرةِ الله عز وجل وسلطانِه حيث هو الذي يُدَبِّرُ خلقَه بجعلِهم خلائف.
ومنها بشارةُ المؤمنين وإنذارُ الكافرين لأنَّ مِن جملةِ الخلافة أن يَخلُف المؤمنون الكافرين في أرضِهم قال الله تعالى: (( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ))[الأحزاب:27] وقال موسى لقومِه: (( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))[الأعراف:128] وقال لهم: ( إن الله استخلَفَكم في الأرض ) ففي هذا بَشَارَة للمؤمن فلا ييْأَس مِن أنَّ الله تعالى يجعل له الخلافة في الأرض، وإنذارٌ لِمَن؟ للكافر بأن تُجْتَاح أرضه على أيدِي المؤمنين.
ومِن فوائدِها أيضًا حكمةُ اللهِ عز وجل في توارُثِ الأمَم بعضِها بعضًا فإنَّه لولا ذلك لضاقَت الأرْض بأهلِها، لو كان كلُّ مَن أوجده الله بقِي نعم كم يكون عدد العالم؟ ما يُحْصَوْن وحينئذٍ تضيقُ بهم الأرض ويشقُّ عليهم تحصِيل الأرزاق، وإن كان الله عز وجل قد يجعلُ لهم من الرزق ما لا يخطُر بالبال لكن لا شكَّ أنَّ كون الناس يخلُف بعضهم بعضًا هذا يموت وهذا يحيا هو الحكمة والرحمة.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ شُؤْمِ الكفر وعاقبَتِه لقولِه: (( فمن كفر فعليه كفره )).
ومِن فوائدها أنَّ كفر الكافر على نفسِه لا على غيره وهو كقوله: (( ولا تزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى )) وأورَدْنا على هذه الجملة إشكالًا وأجبْنَا عنه.
ومن فوائدها إثبات صفةِ البغض لله عز وجل بل إثباتُ صفة المقت الذي هو أشدُّ البغض لقولِه: (إلا مقتا) والمقتُ مِن صفات الله الذاتية أو الفعلية؟ الفعلية، لأنَّ كُلَّ صفة تُقْرَنُ بسبب فهي مِن الصفات الفعلية لأنها حينئذٍ تتعَلَّق بمشِيئَة الله إذ أنَّ السبب واقعٌ بمشيئتِه والسببُ هو الذي عُلِّقَت فيه الصفة، فتكون الصفة إذًا واقعة بمشيئته، والقاعدة عند أهل السنة أنَّ الصفات التي تكونُ بمشيئة الله تُسَمَّى صفة فعلية، وذكرنا أن الصفات ذاتيَّة وفعليَّة وخبريَّة، فالذاتية هي الصفات التي لا ينفَكُّ الله عنها لم يزَل ولا يزالُ متصفًا بها مثل الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والعِزة والحكمة وغير ذلك كثير، والصفات الفعلية هي التي تتعَلَّق بمشيئَتِه إن شاءَ فعلَها وإن شاء لم يفعلْها سواءٌ كانت صفَةً ظاهرة أم غيرَ ظاهرة مثل المحَبَّة والكراهَة والرِّضَا والبُغض والضَّحِك والاستِواء والنزول وغير ذلك، والصفات الخبرية هي التي نظيرُ مسمَّاها أبعاضٌ لنا مثل الوجْه واليدَين والعَين والساق والإِصبع وما أشبهَها وهنا لا نقول: إنَّها أجزاء بالنسبة لله هي لنا أجزاء ولكن نتحاشَى أن نقول: إنها أجزاء بل نقول: نظير مسماها أجزاءٌ لنا، ولا يمكن أن نجعل هذه صفاتٍ معنوية، إذ لو قلنا بأنها صفات معنوية لساوَيْنَا أهلَ التعطيل لأنهم يجعلُون هذه الصفات صفاتٍ معنويَّة، طيب اللي معنا الآن (إلا مقتا) مِن الصفات الفعلية طيب.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّه كلما ازدادَ الإنسان كفرًا ازداد عند الله مقتًا وجه ذلك القاعدة التي ذكرناها ونكررها دائمًا وهي أنَّ الحكمَ المعلَّقَ على وصْف يزداد بزيادتِه وينقُص بنقصَانه، وهنا الحكم معلق على الكفر فإذًا يزداد مقتُ الله عز وجل على الكافِر بزيادة كفره وينقص بنقصان كفرِه.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الكافر أيضًا خاسرٌ في الدنيا والآخرة ولهذا قال: (( ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارًا )) ولم يُقَيِّد لم يقل في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الله، بل أطلق فأخسَرُ الناس هم الكفار خسِرُوا-كما قلنا في التفسير- أنفسَهم وأهليهم ودنياهم وآخرتَهم، وشخصٌ خسِر كل هذه الجهات ليس له رِبح فأعظَم الناس خسرانًا هم الكافرون، طيب إذا قال قائل: هل نستعْمِلُ هنا قياسَ العكس فنقول: إذا كان الكافر أخسرَ الناس فأربحُ الناس المؤمن؟ الجواب: نعم، نستعمل مقياسَ العكس، لأنَّ قياسَ العكس جاءَت به السنة قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وفي بُضْعِ أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتُم لو وضعَها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعَها في الحلال كان له أجر) فكلُّ عمل حلال تستغني به عن حرام يكون له فيه أجر، إذًا المؤمن رابح في مقابل أنَّ الكافر خاسر، وإن شئت تلونا آية صريحة في هذا قال الله تعالى: (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذي آمنوا )) يعني فليسوا في خُسْر بل في ربح (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) وتجارة المؤمنين تجارةٌ رابحة (( يرجُون تجارة لن تبور )) لن تهلِك ولن تخسَرَ شيئًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة لَمَّا قال يا رسول الله إنَّ الله أنزل قوله: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) وإن أحبَّ مالي إلي بَيْرُحَاء وإني أضعُها -يعني عند الرسول عليه الصلاة والسلام- صدقةً إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بخٍ بخٍ ذاك مالٌ رابِح ذاك مالٌ رابح ذاك مال رابح ) طيب