فوائد قول الله تعالى : (( قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا )) حفظ
هذه الآية يستفادُ منها عدَّة فوائد أولًّا قُوَّةُ القرآن في أسلُوبه في المنَاظَرة وذلك بالترديد والتقسِيم، وجهُه: أنَّ الله تحدَّاهم بثلاثة أمور: هل خلَقُوا شيئًا مِن الأرض، هل شاركوا الله في السماء، هل عندهم كتابٌ مِن الله أنَّ هذه الأصنام تنفَعُهم وإن لم تكن شريكةً لله في السماوات ولم تخلُق شيئًا مِن الأرض؟ الجواب: لا لو خلَقَتْ شيئًا من الأرض لكان لها الحقّ، لأنها تخْلُق، لو شاركتِ الله في ملكِه في السماء لكان لها الحَق، لأنها شرِيكٌ لله عز وجل في ملكِه، لو أنَّ الله أنزل كتابًا يقول بأنَّ هذه الأصنام لها الحَقّ أن تُعْبَد وتُدْعَى مِن دون الله لكان لهم شُبهَة أو حُجَّة، فلما انتفتِ الأمور الثلاثة تبيَّن أنَّه لا حجة لهم، ثانيًا أنَّه ينبغي في المناظرة أن تُذْكَرَ جميعُ الأقسام التي يمكن أن ترِدَ في الذهن ثم تُبْطَل، احترز مما ايش؟ مِن أي شيء؟ مما لو ذكرْتَ شيئًا واحدا ثم بيَّنت بطلانه فقد يورَدُ عليك شيءٌ آخر لأنّه كما أنَّ القول الحق لا ينحَصِر إثباتُه في دليل واحد فكذلك الباطل لا ينحَصِرُ إيرادُ الشُّبَه فيه في شبهَة واحدة، فإذا أردتَّ أن تفحِم خصمَك لا تأت بشبهَة واحدة ايتِ بجَمِيع ما يمكِن ويحتمِل أن يكون شبهة لتبطلَها حتى يكونَ عندك القُوَّةُ الكاملة التي يمكن أن يُورِد عليك أحدٌ منها خللًا.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّه لا أحدَ يخلُق مع الله (( أرونِي ماذا خلقوا من الأرض )) فإن قلت: يرِد عليك أنَّ الله أثبت أنَّ هناك خالِقِين في قولِه تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين ))، وفي قولِ الرسول صلى الله عليه وسلم: يقال لهم -أي المصوِّرِين- ( أحيُوا ما خلقْتُم ) فالجواب: أنَّهم لم يخلُقُوا هذا ولكِن حوَّلُوه مِن صورَة إلى صُورَة فهنا ليس منهم إيجَاد بل تحويلٌ مِن صورة إلى صورَة فالمصَّوِّرُ مثلًا الذي أخَذَ الطين وجعل منه صُورَةً على صورةِ إنسان أو صورة طَيْر أو صورة دابَّة ماذا نقول هل خلقَ هذا الشيء؟ لا، لكن حوَّله من كونِه كُتْلَة مِن الطين إلى كونِه صُورَة وليس خلقًا جديدًا، النجارُ مثلا إذا أتَى على الخشب ونجَرَه على صورة معينة ما نقول: إنه خلقَه، لأنه لم يُوجِدْه لكن حوَّلَه مِن صُورَة إلى أخرى طيب.
ومِن فوائد الآية الكريمة إبطَال أُلُوهِيَّة هذه الأصنام ومِن باب أولى ربوبِيَّتِها وجْه هذا: أنَّ الله تحدَّى أن تكون هذه الأصنامُ صالِحَةً للمشاركَة في كل وجه مِن الوجوه ايش؟ الخلْق والمشاركة والوثيقة، كلُّ هذه منتفية إذًا فيبْطُل جعلُها إلهًا مع الله.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الظالمين -ويشمَل الكافرين ومَن دونهم- أنَّ الظالمين لا يعدُ بعضهم بعضا إلا غرورًا وخداعًا فيشمَل ذلك الكافرين الذين يُزَيِّنُون الكفر، ويشمل ذلك أهلَ الخلاعة الذين يزيِّنُون الخلاعة، ويشمَل أهل اللهو الذين يزينُون اللهو، فكلُّ باطل يزيِّنُه أصحابه نقول فيه: لا يعدُ الظالمون بعضُهم بعضًا إلا غرورًا.
ومن فوائد الآية الحذر مِن أن يتمنى الإنسانُ على الله الأماني بل الذي ينبغي أو يجِب أن يكون الإنسان كَيِّسًا فطنًا حازمًا كما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( الكيِّس من دانَ نفسَه وعَمِل لما بعد الموت، والعاجز من أتبعَ نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني )) فالوُعُود التي يُوعَدُ بها الإنسان مِن قبل الظالمين أو مِن قبل نفسه إذا كانت مُخالفَة للشرع فما هي إلا غرور وباطل فليحذَرِ الإنسانُ منها