تفسير قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده )) حفظ
تبارك وتعالى مُبَيِّنًا تمامَ قدرَتِه ومنَّتِه على عبادِه قال: (( إنَّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزُولا )) أي يمنَعُهُما مِن الزوال " قولُه: (( إن الله يمسك السماوات والأرض )) الإمسَاك بمعنَى القبْض على الشيء والتمكُّن منه، وفسَّره المؤلف بالمنْع وهو لازِمٌ للإمساك، وقولُه: (أن تزولا) (أن) هذه مصدرية حُذِفَ منها حرف الجر، لأنَّه يَفتَرِض حذفُ حرف الجر معَ (أنَّ) و(أنْ) نعم إذا أُمِن اللَّبْس وهنا اللَّبْس مَأمُون، وإذا كان الكلام على تقدير (مِن) فحَوِّل (أن) وما كانت عليها إلى مصْدَر يكُن سبكُ الكلام: إنَّ الله يمسِكُ السماوات والأرض مِن الزوال، وقوله: السماوات والأرض تردُ هذه العبارة كثيرًا في القرآن وهي جمعُ السماوات وإفرادُ الأرض، ولم تأت الأرض مجموعَة في القرآن بلفظِها لكن جاءت بلفظٍ يدُلُّ على التعدُّد وهو قوله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلَهن )) فإنَّ المثْلِيَّة هنا تتعيَّن أن تكونَ في العدد لأنَّه لا يمكن أن تكُون الأرض مثل السماوات في الحَجْم ولا مثلَها في الصفَة، وإذا امتَنَعَ أن تكون مماثلةً للسماء في الحَجْم وفي الصِّفَة تعيَّن أن تكون مماثلةً للسماء في ايش؟ في العدَد، والسُّنَّةُ جاءَت في اللفظِ الصريح في أنَّ الأرضِين سبعُ أرضِين كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن اقتطَع شبرًا مِن الأرض ظلمًا طُوِّقَه يوم القيامة من سبع أرضين ).
(( يمسِكُ السماوات والأرض أن تزولَا ولئن زالتَا )) قال: لام قسم اللام لام قسَم، و(إن) شرطية و(زالتا) الفعل هنا فعلُ الشرط، و(( إن أمسكهما )) الجملة جوابُ الشرط، و(إن) هنا يقول المؤلف: ما "
أي تكونُ نافية (أمسكهما) قال المؤلف يُمْسِكُهُما إشارة إلى أنَّ (أمسكهما) فعل ماضي لكنُّه بمعنى المضارع، لأنه وقَعً جوابًا للشرط، ومعلومٌ أنَّ جواب الشرط يكون للمستقبل لا يكُون للماضي، لأنَّه لا يكون إلا بعد تحَقُّق الشرط، وتحقق الشرط أمرٌ مستقبل، وقولُه: (( مِن أحد مِن بعدِه )) (مِن أحَد) (مِن) هذه زائدةٌ زائدةٌ، كذا؟ كلام صحيح ولا فيه تناقض، زائدةٌ زائدةٌ ما فيه تنَاقَض، كيف ذلك يا محمد؟
الطالب: زائدة في الإعراب.
الشيخ : أحسنت، زائدةٌ في الإعراب ولكنَّها تزيدُ في المعنى، و(زائدة) اسم فاعل مِن زادَ يزيد، ونحن نعرف أن (زاد) يأتي متعدِّيًا ويأتي لازمًا، فإذا قلت: زادَ الشيء يعني ارتفَع وكثُر وما أشبه ذلك ... لازمة، وإذا قلت: زدتُّه خيرًا نعم صارَ متعديًا لهذا نقول: هي زائدةٌ زائدة، قد يقول بعض الناس إذا رأى مثل هذا الكلام قال: هذا تناقض كيف يكونُ الشيء زائدًا زائدًا، نقول: (من) زائدة إعرابًا زائدةٌ معنًى، لأنها تزِيد في المعنى وهو تأكيد النفي، وقولُه: (أحد) فاعلُ (أمسَك) مرفوع بضمَّة مقَدَّرة على آخره منَع مِن ظهورها اشتغالُ المحل بحركة حرف الجرّ الزائد، المعنى: لئن قُدِّر أن تزولَ السماوات والأرض فإنه لا أحدَ يستطِيعُ أن يمسكَهُما سوى اللهِ عز وجل، وهو كذلك هذا هو الواقع، بل لو زال ما دون السماوات والأرض مِن النجوم والكوكب والشمس والقمر ما استطاعَ أحَدٌ أن يمسِكَه سوى الله عز وجل بل لا يستطِيعُ أحد أن يصرِف شيئًا مِن هذه الكواكب أو النجوم أو الشمس والقمر فيصرِفَه عن جهةِ سيره إلا الله عز وجل، ولا أن يمنعَه مِن سيرِه إلا اللهُ عز وجل، في الإعراب هنا قلنا: إنَّ اللام في (لَئِن) لامُ قسم و(إنْ) شرطية، وأنَّ (أمسكَهما) جوابُ الشَّرْط ولا جَوَابُ القسم؟
الطالب: القسم.
الشيخ : أي جواب القسَم لِماذَا؟ لأنَّ لدينا قاعدة: إذا اجتمَع الشَّرْط والقَسَم حُذِفَ جَوابُ المتَأَخِّر منهما قال ابن مالك مقرِّرًا هذه القاعدة:
واحذِفْ لدى اجتِمَاعِ شَرْطٍ وقَسَم جوابَ ما أَخَّرْتَ فهو مُلْتَزَم
إذًا المؤخَّر هنا الشَّرط فيكونُ جوابه هو المحذوف دلَّ عليه جوابُ القسم طيب