تفسير قول الله تعالى : (( إنه كان حليما غفورا )) حفظ
يقول: (( إنَّه كان حليمًا غفورًا )) أي في تأخِير عقاب الكفار " قوله تعالى: (( إنه كان حلِيمًا )) هذه الجملة مناسَبَتُها لما قبلَها أنَّها تعليلٌ لما قبلَها فارتباطُها به ارتباط العِلَّة بالمعْلُول يعني إنَّه في إمساكِه للسماوات والأرض كان حليمًا غفورًا، ولولا حلمُه ومغفرتُه لزالت السماوات والأرض وهلَك مَن فيهما، (الحليم) اسمٌ من أسماء الله ومعناها ذو الحلم، والحلْمُ هو تأخيرُ العقوبة عن مستَحِقِّها تأخيرُ العقوبة وليس تركَ العقوبة، لأنَّ ترك العقوبة عَفْو ولكن تأخِير العقوبة عَن المسِيء يُسَمَّى هذا حِلْمًا، قال ابن القيم رحمه الله:
وهو الحَلِيمُ فلا يُعاجِلُ عبدَه بعقوبَةٍ ليَتُوبَ مِن عِصْيَان
فبحلْمِه عزَّ وجل تتَأَخَّرُ العقوبات لعَلَّ الناس يتُوبُون إلى الله سبحانه وتعالى، (غفورًا) هذا يغفِر الذنب ويمحُو أثره بالكلية، وسبق لنا أنَّ المغفرَة هي ستْرُ الذنب والتجاوز عنه وذلك لأنَّها مأخوذة من المِـغْفَر الذي يُغَطِّي الرأس ويقِيه السهام، وليست كما قيل مجرَّدَ الستر، لأنَّ مجرَّد الستر لا تحصُل به الوقاية بل لابد مع الستر مِن الوقاية، ويدلُّ لهذا المعنى قولُه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي لعبدِه إذا خَلا به وقرَّرَه بذنوبه يقول: ( كنت سترْتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرُها لك اليوم ) فإنَّ هذا يدل على أن الستْر غير المغفرة وأنَّ المغفرة لابُدّ فيها مِن عدم المؤاخَذَة وعدَم العُقُوبة