تفسير قول الله تعالى : (( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم )) حفظ
ثم قال الله سبحانه وتعالى: (( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءَهم نذيرٌ ليكونٌنَّ أهدى مِن إحدى الأمم )) (أقسموا) قال المؤلف: أي كفارُ مكة " وهذا يحتمِل ما قالَه رحمه الله مِن أنَّ الضمير يعود على كفار مكة ويحتمل على أنه أعمّ وأنَّ مِن الناس مَن أقسَمُوا وهم من غيرِ كفارِ مكة، وقوله: (أقسموا بالله) أي حلفوا به، وقوله: (جهدَ أيمانهم) أي غايةَ الأيمان يعني الأيمان التي بذلوا فيها الجُهْد وهي أيمانٌ مغَلَّظَة في صيغَتِها كَمِّيَّة وكَيْفِيَّة فالأيمان المغلظة في صيغَتِها كمية وكيفية هي الأيمان التي بلغَت الجُهْد أي غايَة الطاقَة بالنسبة للمُقْسِم، والأيمان كما قال العلماء تُغَلَّظ في الكمية والكيفية والزَّمان والمكان والهيْئَة خمسة أشياء: الكمِّيَّة مثل أن أقول: والله الذي لا إله إلا هو العظِيم العَزيز الغالب وما أشبهَ ذلك مِن الأسماء التي تدُلُّ على الانتقَام فيما لو كان الإنسانُ كاذبًا، هذا تغليظ بماذا بالكمية، التغليظ بالكيفية بأن يأتي بها يعني بانفعَال شديد يدُلُّ على تأثُّرِه بالقسَم، وأمَّا في الزمان فأن تكُون بعد صلاة العصر كما قال الله تبارك وتعالى: (( تحبسونهما مِن بعد الصلاة فيقسمان بالله )) فمِن بعد صلاةِ العصر، وفي المكان بحيث يكون الإِقْسَام في مكَانٍ فاضل وأفضَل الأماكن في البلدان المساجد، قالوا: وتكون عند المحراب أو المنبر في الجوامع وعند الكعبة بعضهم قال: تحْت الميزاب، وفي الروضة في المدينة هذا في المكان، في الهيئة بأن يكون قائمًا لأنَّه يُحَلَّف وهو قائم قال العلماء: لأن العقوبة أقرَب إلى القائم مِنها إلى القاعِد فهذه خمسَة أشياء في تغلِيظ اليمين، لكن هل هؤلاء الكفَّار أقسَمُوا جَهْدَ أيمانِهم بهذه ال... الخمسة؟ الله أعلم على كل حال هم بذلوا أقصى ما يستطيعون مِن اليمين.
(( لَئن جاءهم نذيرٌ ليكونُنّ أهدَى مِن إحدَى الأمم )) هذه الجملة نقول في إعرابها كما قلنا في الجملة الأولى (ولئن زالتا إن أمسكهما) فلقد اجتمع فيها شرطٌ وقسم وحُذِفَ جواب الشرط ولهذا جاءَت اللامُ في الجواب (ليكونن)، ولو كان المحذوف جوابُ القسم لم تأتِ اللام في الجواب لأنَّ جوابَ الشرط لا يحتَاجُ إلى اللام وإنما يُرْبَط بالفاعل في محلِّه وبِحذفِها ولا يحتَاج إلى رابط إذا لم يكن مِن المواضع السبَعة المعروفة، طيب يقول الله عز وجل: (( لئن جاءهم نذِير )) بمعنى مُنْذِر وهو الرسول (( ليكونن أهدى مِن إحدى الأمم )) قوله: (ليكونن) بضم النون وهو مُشْكِل كيف ضُمَّت النون والمعروف أنَّ الفعل المضارع مع نون التوكيد يُبْنَى على الفتح كما في قوله تعالى: (( لينبذن في الحطمة )) وهنا قال: (ليكونن) والجوابُ على ذلك أنَّ نونَ التوكيد لا يُبْنَى معها الفعل إلا إذا كانت مباشرةً له لفظًا وتقديرًا، والنونُ هنا مباشِرَة للفعل لفظًا لكنها غير مباشرةٍ له تقديرًا كيف ذلك؟ لأنَّ الفعل هنا للجماعة وليس للمُفرد وأصله (يَكُونُونَنَّ) فحُذِفت النون لتوالِي الأمثَال لأنَّهم يقولون: إنَّ العرب يكرهُون أن تجْتَمِع ثلاث كلمات مِن نَوعٍ واحد بعضُها إلى بعْض فيحذِفُون أَوْلَاها بالحذْف وأولاها بالحذف على حسب قياسهم نونُ الرفع، لأنَّ حذفَها مُعتَاد ولأنَّ نونَ التوكِيد جاءَت لمعنًى لو حُذِفَت لاختَلَّ ذلك المعنى، إذا جاءت للتوكيد فلا نحذفُها لكن نحذف نون الرفع لأنَّ حذفَها معتَاد، طيب حذفْنَا نون الرفع وهي النون الأولى مِن الثلاثة لو قلنا: ليكونُونَّ حذفْنا نون الرفع بقِيَت الواو تَلِي النون، والنون حرفٌ مُشَدَّد في هذا التركيب، والحرف المشدد أولُه ساكنٌ ...؟ أوله ساكِن فحذَفْنا الواو لالتقَاء الساكنَيْن فصارَت لَيَكُونُنّ أهدَى مِن احدى الأمم حذَفْنا الواو التي بَين نُونِ الفعل، لأنَّ النون في (ليكُونُنَّ) النون اللي معنا الآن نون الفعل ولهذا ما حذَفْنَاها لأنَّها أَصِيلَة، حذفْنا الواو لالْتِقَاء الساكنين فلو قالَ قائل: طيب عندَنا الآن ثلاث نُونَات ولَمَّا تحذِفُوا واحدَة منها نقول: أولًا أنَّ هذه النونات ليسَت مُتَّصِلَة تقديرًا يعني ليس بعضُها متصلًا بالبعض الآخر مِن حيث التقدير لأنَّه .. قد فصَلَ بينهما ايش؟ الواو الذي حذفْناها لالتقَاء الساكنين، ثانيًا أنَّ النون التي بعد الواو في (ليكونن) النون الموجودة الآن نون الفعل فهي مِن بنية ِالكلمة ولا يمْكِن أن تُحْذَف، على كل حال يجِب أن نعرف الفرق بين (لَيَكُونَنَّ) وبين (لَيَكُونُنَّ)، في القرآن لَيَكُونَنَّ (( ليسجَنَنَّ ولَيَكُونًا مِن الصاغِرين )) ففَرْق بين لـ(يكونَنَّ) وبين (ليكونُنَّ) لَيكونَنَّ هذا للواحد ولهذا بُنِي الفعلُ معَها على الفتح لاتصاله بنو التوكيد لفظًا وتقديرًا، وليكونُنَّ للجماعة ولهذا لم يُبْنَ الفعل معها لأنَّ نون التوكيد لم تباشِره تقديرًا واضح؟ ولَّا في إِشْكَال بعد؟ .. بعَد كل الكلام هذا الطويل ما .. فاهمين؟
الطالب: واضح.
الشيخ : إذًا نونُ التوكيد لا يُبْنَى معها الفعل إلا إذا كانَت مباشِرَةً له لفظًا وتقديرًا في هذه الجملة (ليكونُنَّ) لم تباشِره تقديرًا ولا لفظا؟
الطالب: تقديرا.
الشيخ : تقديرًا، أمَّا لفظا فقد باشَرَتْه، وإنما قلنا لم تباشِرْه تقديرًا لأنَّه حُذِف منها واوُ الجماعة فلم تباشِرْه تقديرًا.
وقوله: (( أهدى مِن إحدى الأمم )) أهدَى هذه خبَر (يكُون) فهِي مَنصُوبة بالفتحَة المقدَّرَة على الألف منَعَ مِن ظهورِها التعذر وهو اسمُ تفضيل، وقوله: (مِن إحدَى الأُمَم) قال المؤلِّف: " اليَهود والنصارى وغيرِهم أي: أيُّ واحِدَةٍ منْها لما رَأَوْا مِن تكذيب بعضِهم بعضًا إذ قالت اليَهْود: ليست النصارى على شيء وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء " يقول: ليكونُنَّ أهدَى مِن إحدَى الأمم فأَتَوا ب(إحدى) الدالة على الإبهام لم يقولوا أهدى مِن النصارى ولا أهدى من اليهود قال: من إحدى الأمم لِماذا؟ لأنَّ الأمر الْتَبَس عليهم حيث إنَّ اليهود يقولون: ليست النصارى على شيء، والنصارى يقولون: ليست اليهود على شيء، وهؤلاء المشركون -كفار مكة- أمَّةٌ جاهلية لا يدرُون مَن الحق معه فلم يقولوا: أهدى من النصارى ولا أهدى مِن اليهود، بل قالوا: أهدى من إحداهما أهدى من أي واحدة لأنَّ الأمر عندهم التبَس، ولكن يبقى النظَر ما هو الدليل على تخصيص كلمة الأمَم بالأمَّتَين اليهودية والنصرانية، ولماذا لا يقال: إنها أعم من اليهود والنصارى لأن هناك مجوس يدينُون بعبادة النيران، ويمكن أن يوجَد أناس آخرون يدِينُون بديانَاتٍ أخرى لهذا نقول: الجواب إمَّا أن نلْتَزِم بالعموم ونقول: إنهم يقولون: أهدى من إحدى الأمم أي من أي أمة كانت كاليهود أو النصارى أو المجوس أو الوثَنِيِّين الذين يعتقدون أنهم على دين أو ما أشبه ذلك فكأنهم يقولون: أهدى من كل الأمم لكن لم يعيِّنوا لأنهم لم يدروا من هو الذي على حق، وإمَّا أن يقال خُصّ هذا الجمْع بأمَّتَين فقط لأنَّ المعروف أنَّهم على دين هم من؟ اليهود والنصارى ... هذا هو الصحِيح لكن آخر كلامه يدُل على أنَّه أراد اليهود والنصارى فقط .. اشتبه عليهم الحق فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء.
أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم قال اللهُ تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ ))
(( لَئن جاءهم نذيرٌ ليكونُنّ أهدَى مِن إحدَى الأمم )) هذه الجملة نقول في إعرابها كما قلنا في الجملة الأولى (ولئن زالتا إن أمسكهما) فلقد اجتمع فيها شرطٌ وقسم وحُذِفَ جواب الشرط ولهذا جاءَت اللامُ في الجواب (ليكونن)، ولو كان المحذوف جوابُ القسم لم تأتِ اللام في الجواب لأنَّ جوابَ الشرط لا يحتَاجُ إلى اللام وإنما يُرْبَط بالفاعل في محلِّه وبِحذفِها ولا يحتَاج إلى رابط إذا لم يكن مِن المواضع السبَعة المعروفة، طيب يقول الله عز وجل: (( لئن جاءهم نذِير )) بمعنى مُنْذِر وهو الرسول (( ليكونن أهدى مِن إحدى الأمم )) قوله: (ليكونن) بضم النون وهو مُشْكِل كيف ضُمَّت النون والمعروف أنَّ الفعل المضارع مع نون التوكيد يُبْنَى على الفتح كما في قوله تعالى: (( لينبذن في الحطمة )) وهنا قال: (ليكونن) والجوابُ على ذلك أنَّ نونَ التوكيد لا يُبْنَى معها الفعل إلا إذا كانت مباشرةً له لفظًا وتقديرًا، والنونُ هنا مباشِرَة للفعل لفظًا لكنها غير مباشرةٍ له تقديرًا كيف ذلك؟ لأنَّ الفعل هنا للجماعة وليس للمُفرد وأصله (يَكُونُونَنَّ) فحُذِفت النون لتوالِي الأمثَال لأنَّهم يقولون: إنَّ العرب يكرهُون أن تجْتَمِع ثلاث كلمات مِن نَوعٍ واحد بعضُها إلى بعْض فيحذِفُون أَوْلَاها بالحذْف وأولاها بالحذف على حسب قياسهم نونُ الرفع، لأنَّ حذفَها مُعتَاد ولأنَّ نونَ التوكِيد جاءَت لمعنًى لو حُذِفَت لاختَلَّ ذلك المعنى، إذا جاءت للتوكيد فلا نحذفُها لكن نحذف نون الرفع لأنَّ حذفَها معتَاد، طيب حذفْنَا نون الرفع وهي النون الأولى مِن الثلاثة لو قلنا: ليكونُونَّ حذفْنا نون الرفع بقِيَت الواو تَلِي النون، والنون حرفٌ مُشَدَّد في هذا التركيب، والحرف المشدد أولُه ساكنٌ ...؟ أوله ساكِن فحذَفْنا الواو لالتقَاء الساكنَيْن فصارَت لَيَكُونُنّ أهدَى مِن احدى الأمم حذَفْنا الواو التي بَين نُونِ الفعل، لأنَّ النون في (ليكُونُنَّ) النون اللي معنا الآن نون الفعل ولهذا ما حذَفْنَاها لأنَّها أَصِيلَة، حذفْنا الواو لالْتِقَاء الساكنين فلو قالَ قائل: طيب عندَنا الآن ثلاث نُونَات ولَمَّا تحذِفُوا واحدَة منها نقول: أولًا أنَّ هذه النونات ليسَت مُتَّصِلَة تقديرًا يعني ليس بعضُها متصلًا بالبعض الآخر مِن حيث التقدير لأنَّه .. قد فصَلَ بينهما ايش؟ الواو الذي حذفْناها لالتقَاء الساكنين، ثانيًا أنَّ النون التي بعد الواو في (ليكونن) النون الموجودة الآن نون الفعل فهي مِن بنية ِالكلمة ولا يمْكِن أن تُحْذَف، على كل حال يجِب أن نعرف الفرق بين (لَيَكُونَنَّ) وبين (لَيَكُونُنَّ)، في القرآن لَيَكُونَنَّ (( ليسجَنَنَّ ولَيَكُونًا مِن الصاغِرين )) ففَرْق بين لـ(يكونَنَّ) وبين (ليكونُنَّ) لَيكونَنَّ هذا للواحد ولهذا بُنِي الفعلُ معَها على الفتح لاتصاله بنو التوكيد لفظًا وتقديرًا، وليكونُنَّ للجماعة ولهذا لم يُبْنَ الفعل معها لأنَّ نون التوكيد لم تباشِره تقديرًا واضح؟ ولَّا في إِشْكَال بعد؟ .. بعَد كل الكلام هذا الطويل ما .. فاهمين؟
الطالب: واضح.
الشيخ : إذًا نونُ التوكيد لا يُبْنَى معها الفعل إلا إذا كانَت مباشِرَةً له لفظًا وتقديرًا في هذه الجملة (ليكونُنَّ) لم تباشِره تقديرًا ولا لفظا؟
الطالب: تقديرا.
الشيخ : تقديرًا، أمَّا لفظا فقد باشَرَتْه، وإنما قلنا لم تباشِرْه تقديرًا لأنَّه حُذِف منها واوُ الجماعة فلم تباشِرْه تقديرًا.
وقوله: (( أهدى مِن إحدى الأمم )) أهدَى هذه خبَر (يكُون) فهِي مَنصُوبة بالفتحَة المقدَّرَة على الألف منَعَ مِن ظهورِها التعذر وهو اسمُ تفضيل، وقوله: (مِن إحدَى الأُمَم) قال المؤلِّف: " اليَهود والنصارى وغيرِهم أي: أيُّ واحِدَةٍ منْها لما رَأَوْا مِن تكذيب بعضِهم بعضًا إذ قالت اليَهْود: ليست النصارى على شيء وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء " يقول: ليكونُنَّ أهدَى مِن إحدَى الأمم فأَتَوا ب(إحدى) الدالة على الإبهام لم يقولوا أهدى مِن النصارى ولا أهدى من اليهود قال: من إحدى الأمم لِماذا؟ لأنَّ الأمر الْتَبَس عليهم حيث إنَّ اليهود يقولون: ليست النصارى على شيء، والنصارى يقولون: ليست اليهود على شيء، وهؤلاء المشركون -كفار مكة- أمَّةٌ جاهلية لا يدرُون مَن الحق معه فلم يقولوا: أهدى من النصارى ولا أهدى مِن اليهود، بل قالوا: أهدى من إحداهما أهدى من أي واحدة لأنَّ الأمر عندهم التبَس، ولكن يبقى النظَر ما هو الدليل على تخصيص كلمة الأمَم بالأمَّتَين اليهودية والنصرانية، ولماذا لا يقال: إنها أعم من اليهود والنصارى لأن هناك مجوس يدينُون بعبادة النيران، ويمكن أن يوجَد أناس آخرون يدِينُون بديانَاتٍ أخرى لهذا نقول: الجواب إمَّا أن نلْتَزِم بالعموم ونقول: إنهم يقولون: أهدى من إحدى الأمم أي من أي أمة كانت كاليهود أو النصارى أو المجوس أو الوثَنِيِّين الذين يعتقدون أنهم على دين أو ما أشبه ذلك فكأنهم يقولون: أهدى من كل الأمم لكن لم يعيِّنوا لأنهم لم يدروا من هو الذي على حق، وإمَّا أن يقال خُصّ هذا الجمْع بأمَّتَين فقط لأنَّ المعروف أنَّهم على دين هم من؟ اليهود والنصارى ... هذا هو الصحِيح لكن آخر كلامه يدُل على أنَّه أراد اليهود والنصارى فقط .. اشتبه عليهم الحق فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء.
أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم قال اللهُ تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ ))