تفسير قول الله تعالى : (( استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله )) حفظ
قال: (( استكبارًا في الأرض )) عن الإيمان، مفعولٌ له " يعني أن كلمة (استكبارا) مفعولٌ له أي منصُوبة على أنها مفعول له أي: ما زادهم إلا نفورًا لأجلِ الاستكبار في الأرض، وهذا أحدُ الاحتمالين في الآية الكريمة والاحتمال الثاني أنَّ (استكبارا) بدل مِن كلمة (نفورًا) أي ما زادهم إلا نفورًا هذا النفور هو الاستكبار في الأرض، وهو احتمال قويٌّ جدا أن تكون (استكبارًا) بدَلًا أو عطفَ بَيَان مِن كلمة (نفورا) إذًا ما زادهم هذا المجيء إلا البعد عن الحق والاستكبار في الأرض.
قال: (( ومَكرَ السَّيِّئ )) معطوف على (استكبارا) و(مكر) قال المؤلف: العملُ (( السيئ )) من الشرك وغيرِه "
فقدَّر العمل قبل (السيئ)، ليكون السُّوء موصوفًا به العمَل، والعملُ السيئ يكونُ مكرًا هذا ما ذهبَ إليه المؤلف رحمه الله فجعل (مكر) مضافًا إلى شيء محذوف وهو (العمل) وجعل السيئ صفةً لذلك الشيء المحذوف أي: مكرَ العمل السَّيِّئ أي أنهم ما زادَهم إلا نفورًا واستكبارًا في الأرض، وأن يمكُرُوا مكرَ العمَل السيئ، والمكر هو الخدِيعة وهو التَّوَصُّل بالأسباب الخَفِيَّة إلى الإيقاعِ بالخصم، هذا المكر أن تتَوَصَّل بالأسباب الخَفِيَّة إلى الإيقاعِ بخصمك وعدُوِّك، فأمَّا التوصُّل بالأسباب الظاهرة فليس بمكْر، فإن قلت: هذا المعنى لا ينطبق على عملِ هؤلاء لأن هؤلاء يُظْهِرُون عملَهم السيئ فالجواب: أنَّ هؤلاء تارَةً يظهرونَه وتارة يخفُونَه كما في اجتماعِهم في دار النَّدْوَة ماذا يصنعون بالرسول صلى الله عليه وسلم (( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ))[الأنفال:30] وإنَّما ذَكَر المكْر دُون الشَّيْء المعلن الظاهر، لأنه أعظم قُبْحًا من الشيء المعلَن الظاهر فصارَ هؤلاء جمعُوا إلى الكذب المكر والخِداَع والعياذُ بالله، قال الله تعالى: (( ولا يحيق )) يُحِيط (( المكر السيئ إلا بأهله )) " وهو الماكِر " إلى آخره يعني أنَّ هؤلاء مكَرُوا السوء وعمِلوا السوء بصفَة علنيَّة وبصفة خفية وهل الماكِر بغيره ينجو؟ الجواب إذا كان مكرًا سيِّئًا فإنه لا ينجو بل سيحِيق به مكرُه ويُهْلِكُه ويدمِّرُه كما قال تعالى: (( وحاقَ بهم ما كانوا به يستهزئون ))، أمَّا إذا كان المكْرُ بحَق فإنه لا يحيقُ بأهله بل يحيقُ بعدوه ولا يحيق به، ذلك لأنَّ الـمَكْر بِحَق ممدُوح وليس بمذْمُوم، وقال: (( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله )) وهُنا لم يقُل: إلَّا بالماكِر بل قال: إلَّا بأهْلِه إشارَة إلى بَيَان الاستحقاق لهذه الجريمة التي وقعَتْ منه وأنَّه أهلًا لأن يحيقَ به مكرُه فكُلُّ ماكر بغير حق فإنَّه أهلٌ لأن يحيقَ به مكرُه، قال: " ووصفُ المكر بالسَّيِّئِ أصْل وإضافتُه إليه قبلُ استعمالٍ آخر قُدِّرَ فيه مُضَاف حَذَرًا مِن الإضافَةِ إلى الصِّفَة " هذا كَلَام قليلُ الفائدة مُعَقَّدُ المعنى في الواقع
الطالب: .. قيل.
الشيخ : لا، (قبْل) قبل، طيِّب قال: ووصفُ المـَكْر بالسَّيِّئِ أصلٌ " فين المكر (( ولا يحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ )) يقول المؤلف: أصْلٌ " يعني جارٍ على الأصل، لأنَّ الأصلَ أنَّ الوصف ينفصِل عن الموصوف ولا يُضَاف إليه الموصوف هذا الأصل، انتبهوا! متى تقول: مررت بزيدٍ الفاضل فتجعل الصفة منفصِلة عن الموصوف تابعةً له وليس مضافًا إليها، فقول المؤلف: أصل " يعني أنه على الأصل، وَصْفُ المكر بالسيئ أصْلٌ " وش معنى أصل؟ أي جارٍ على الأصل لأنَّ الأصل أنَّ الصفة تتْبَعُ الموصوف لا أنَّ الموصوف يُضَافُ إليها أفهمتم الآن زين؟ هذا يحتاج إلى إنه يُعَلَّق عليه لأنه ستنسَون وبعدين يشكِل عليكم كلام المؤلِّف، جاء مع الأصل طيب وإضافَتُه إليه قَبْلُ استعْمَالٌ آخَر " لأنه في الجملة التي قبلَ هذه قال: ومكرَ السيئ فهنا لم يُوصَف المكرُ بالسيئ ولكن أضيفَ المكرُ إلى السيئ فقول المؤلف رحمه الله: إضافته إليه قبلُ " وش معنى (قبلُ) يعني قبل هذه الجملة ويعني بذلك قولَه: (ومكر السيئ) استعمالٌ آخر ... على الأصل ولَّا على خلاف الأصل؟ على خلاف الأصل، لأنَّ الأصل أنَّ الصفة تقعُ تبعًا للموصُوف لا أنَّ الموصوف يُضَاف إلى الصفة لكن يجوز أن يُضَاف الموصوف إلى الصفة، ولهذا دائمًا يمر بكم قول العلماء: هذا مِن باب إضافة الموصوف إلى صفتِه مثلُ قولهم: هذا مسجدُ الجامع أصلُه: هذا المسجد الجامع، لكن أُضيف إلى صفتِه وهو كثير كما أنَّ أيضًا الصفة تضَاف إلى الموصُوف أحيانًا مثل طاهِر القلْب هذه صفة مضافة إلى موصُوفِها طاهر القلب كما قال ابن مالك في الألفية:
كطاهرِ القلب جميل الظاهر
هذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف إذًا نأخذ مِن هنا أنه يجوز إضافة الصفة إلى الموصوف وإضافة الموصوف إلى صفتِه وما هو الأصل من ذلك؟ الأصل مِن ذلك أن تقع الصفةُ تبعًا للموصوف على أنها نعتٌ له وتُعرب بإعرابِه، في الآية الكريمة إضافةُ الموصوف إلى الصفة ووصفُ الموصوف بالصفة أو لَا؟ في الآية الكريمة إضافة الموصوف إلى الصفة ووصف الموصوف بالصفة، صح في الآية مو بكلمة واحدة منها، طيب في أولِّها وآخرها، ءأين إضافةُ الموصوف إلى الصفة؟
الطالب: ...
الشيخ : ما هي بالثانية يا ولد!
الطالب: الأولى (مكر السيئ).
الشيخ : الأولى: (( ومكرَ السيئ )) هذا مِن باب إضافة الموصوف إلى الصفة، لو كان في غيرِ القرآن وأردْنا أن نحوِّله إلى أن تَبَع إلى أن تكون الصفة تبعًا للموصوف لقلنَا: استكبارًا في الأرض والمكرَ السيئ كذا ولَّا لا؟ لكن هنا صارَ من بابِ الإضافَة ومكر السيئ، وفيها أيضًا وصف الموصوف بالصِّفَة قولُه: (( ولا يحيقُ المكر السيئ )) أيُّهما الأصل؟ هنا بيَّن المؤلف قال: ووصف المكرِ بالسيئ أصْل لو قال بدل (أصل) لو قال: جارٍ على الأصل لكان أوضَح وهذا هو مراده، قال: وإضافته إليه قبل " إضافة الموصوف إلى الصفة ... مِن الآية؟ قوله (ومكر السيئ)، يقول: " استعمالٌ آخر " يعني جارٍ على استعمالٍ آخَر في اللغة العربية لأنَّ اللغة العربية أحيانًا تُضيف الموصوف إلى صفتِه واضحة..؟ طيب قال: " قُدِّر فيه مُضاف " حسَب شرحه هو وتفسيرِه حيث قال: " (ومكر) العمل (السيئ) " يقول: " حذرًا مِن الإضافة إلى الصفة " وهذا الذي قاله الأخير يُنازعُ فيه وذلك لأنَّه لا داعيَ إلى ذلك، لا حاجةَ إلى أن نُقَدِّر محذوفًا لأجْل أن نمنَع إضافَة الموصوف إلى الصفة، لأنَّ إضافة الموصوف إلى الصفة في اللغة العربية كثيرٌ شائع ليس هذا أمرًا محذورًا في اللغة العربية حتى نقول: نحتاج إلى تقدير ما يصححه ولهذا نقول: (مكرَ السيئ) جارٍ على أصله بمعنى أنَّه لا حاجةَ إلى أن يُقَدَّرَ فيه شيء محذوف