تفسير قول الله تعالى : (( إنه كان عليما قديرا )) حفظ
(( إنَّه كان عليمًا )) أي بالأشياء كلِّها (( قديرًا )) عليها " الجملة موقعُها مما قبلَها أنَّها تعليل لَمَّا قال: (( ما كان الله ليعجزَه )) علَّلَ هذا الحكم المنفِيّ بقولِه: (( إنه كان عليمًا قديرًا )) والعِلم انطِبَاقُ الشَيْء على ما هُو علَيْه والقدْرَة التمكن مِن الفِعْل بلا عَجْز هَذِه القُدْرَة، والقُوَّة التَّمْكُّنُ مِن الفعل بلا ضَعْف فهي أخصّ مِن القدرة مِن وجْه وأعمُّ منها مِن وجهٍ آخَر كما سنذكرُه، ما وجهُ كونِه عز وجل بعلمِه وقدرتِه لا يُعجزُه شيء؟ لأنَّ العاجز عن الشيء إما أن يكون لعدمِ علمه بالأسباب التي تغيرها به، وإما أن يكون لعدَم قدرتِه، فلو تأملتَ عجْزَ أي عاجِز لوجدتَّ السبب في عجزِه إمَّا أنه لا يعلم وإمَّا أنَّه لا يقدِر، فلو قيل لرجُل نريد أن تصلِّح هذه الساعة التي كانت خربانة قال: طيب أعطني إياها وهو ما يعرِف أبدًا ما درَس يقدَر يزيِّنَها ولَّا لا؟ كيفَ ما يقدر؟ عنده آلات للصناعة وعنده قوَّة بدنِيَّة يقدَر يصلحها ولَّا ...؟
الطالب: ما يقدر.
الشيخ : لَماذا؟
الطالب: لأنه بدون علم.
الشيخ : لأن ما عنده علْم، ما يِقْدَر يصلحها يمكن يفسِّدْها أكثَر، فيه رجلٌ آخر عندَه علْم وقد درَس علْم تصلِيح الساعات مثلًا لكن ما عنده قُدرَة بدنِيَّة مشلُول هل يمكن أن يصلِّحْها؟ لا يمكن، لعدَم القدرَة إذًا انتفَاء عجزِ الله عز وجل لكمال علمِه وكمال قدرته، وبهذا نعرف أنَّه لا يُوجَدُ نفْيٌ محض في صفات الله بل كُلُّ نفي في صفاتِ الله فهو مُتَضَمِّن لثُبُوتِ كمَال لا يمكن أن يوجَد نفيٌ محض ولهذا لَمَّا نفى العجز بَيَّن السبب قال: (( إنه كان عليمًا قديرًا )) والله أعلم.
قال الله تبارك وتعالى: (( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ))[فاطر:42]