تفسير قول الله تعالى : (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا )) حفظ
ثم قال الله تعالى: (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ))[فاطر:45] (لَو) هَذِه شَرْطِيَّة و(لو) تَأْتِي شَرْطيةً كما هنا وتأتي للتمنِّي مثلَ قولِه: (( وَدُّوا لَو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )) وتقول مَثَلًا: لو كان لِي مِثْلُ مَالِ فلان يعني أتَمَنَّى أن يكون لي مثل مال فلان، فتأتي شرطية وتأتي للتمني وتأتِي أيضًا مصدَرِيَّة بمعنى (أن)، هنا هي شرطية وإذا كانت شرطية فإما أن يكُون جوابُها مُثْبَتًا وإمَّا أن يكون مَنْفِيَّا: فإن كان مثبتًا فالأكثر فيه إثباتُ اللام وإن كان منفيًّا فالأكثَر فيه حذفُ اللام، مثال ذلك في الإثبات قوله تعالى: (( لو نشاء لَجعلناه حطامًا )) أين الجواب؟ (لجعلناه) ففيه اللام وقال تعالى في نفس السورَة: (( لو نشَاءُ جعلْنَاهُ أُجَاجًا )) الجواب (جعلناه) وحُذِفَتْ منها اللام، أمَّا إذا كان جوابُها منفِيًّا بـ(ما) فإنَّ الأكثر عدَمُ اقترانِها باللام عدم اقتران (ما) باللام، فتقول مثلًا: لو جاءني مَا أهَنْتُه، وهنا قال الله تعالى: (( لو يؤاخِذُ الله الناسَ بما كسبوا ما ترَكَ على ظهرِها مِن دَابَّة )) وقد تقترِنُ اللام بـ(ما) لكنها قليلة كقول الشاعر:
ولو نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا
والأكثر ما افترقنا، يقول الله تعالى: (( لو يؤاخِذُ الله بما كسبوا )) مِن المعاصي (( ما تركَ على ظهرِها مِن دابَّة )) قولُه: (يؤاخذ) أي يُعَاقِب والمؤاخَذَة بالذَّنْب العُقُوبَة عليه، وقولُه: (الناس) عَامّ يشمَل الكفار ويشمَل العُصَاة مِن المؤمنين، فلو يؤاخذُ الناس كلَّهم بما كسبوا ما تركَ على ظهرها مِن دابة، وقولُه: (بما كسبوا) (ما) يجوز أن تكون مصدرية أي: بكسبِهم، ويجوز أن تكون موصُولةً فإذا كانت موصولة فلابد مِن تقدِيرِ العائد وتقديرُه: بِمَا كَسَبُوه، وقولُه: (بما كسبوا) أي بما اكتَسَبُوا مِن المعاصي وسَمَّى الله تعالى المعاصي كسبًا، لأنَّ العامِل ينَال جزائها فكأنَّه كسَب هذا الجزَاء مع أنَّه كَسْبٌ رابِح ولَّا كسبٌ خاسر؟ خاسِر ولهذا إذَا اقترَن مع العمل الصالح أتَى بغير هذا اللفظ قال الله تعالى: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعَها لها ما كسَبَت وعليها ما اكْتَسَبَت )) ففرَّق بينهما، أما إذا أُفْرِد أحدُهما عن الآخر ... الكسْب بالخيرات وفي السيئات، وقولُهُ: (( ما تركَ على ظهرِها )) أي الأرض " كيف قال المؤلف: أي الأرض وأعادَ الضمير على غير مذكور؟ قال بعضُهم: إنَّه أعاده على مذكُور وهو قولُه: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنَّه كان عليمًا قديرًا )) والكلام كلُّه في سياقٍ واحد في سياقِ العاصين ومآلِهم وعقوبَتِهم فالكلام نسقٌ واحد فالأرض إذًا مذكورة، وقال بعضُهم: هي غيرُ مذكورة لكنَّها معلومة مِن السياق لأنَّ الدواب إنَّما هم على ظهْر الأرض فهي معلُومة مِن السياق، وما عُلِمَ مِن السياق فإنَّه لا يحتاجُ إلى مَرْجِعٍ مذكور، ألم ترَ إلى قوله تعالى: (( حتى توارَتْ بالحجاب )) توارَتْ ما هي؟ الشَّمْس مع أنَّه لم يَسْبِقْ لها ذِكْر، لكنَّها معلومة لأنَّها هي التي تتوارى بالحجاب، يقول: (( ما ترك على ظهرِها من دابة )) نسمَة تدِبُّ عليها " (مِن) حرف جر زائد زائد ولَّا لا؟ لأنَّها جاءَت بعد النفي (ما ترك عليها من دابة) أي ما ترك عليها دابةً لكنَّها دخلَت عليها (مِن) لتؤكِّد العموم، قال المؤلف: نسمة تدب عليها " النسَمَة هي كلُّ ذاتٍ تتنَفَّس لأنَّها مأخوذة مِن النَّسَم وهو التَّنَفُّس وكل شيء فيه رُوح فإنه يتنفَّس، المعنى لَهَلَك كُلُّ شيء على الأرْض، أمَّا البَّشَر العَاصُون فهَلَاكُهُم واضِح وأمَّا غيرُهم فبِشُؤْمِهِم بِشُؤْمِ العُصَاة تَمُوتُ هذه الدواب إمَّا بأن يمنعَ الله عز وجل المطَر والنبات فتَمُوتُ هذه الدواب لأنَّها لا تجِدُ عيشًا، أو أنها تموت بأوبِئَة تجْتَاحُهَا بسبب أعمالِ الناس، ثم قال: (( ولكن يُؤَخِّرُهُم إلى أجَلٍ مُسَمًّى )) أي يوم القيامة " ولكن يؤخرُهم أي الناس والفاعل هو الله، (إلى أجل) أي مُدَّة (مسمَّى) مُعَيَّن وما هو؟ يومُ القيامة كما قال الله تبارك وتعالى في سورة هود (( إنَّ في ذلك لآيةً لِمَن خافَ عذابَ الآخرة ذلك يومٌ مجموعٌ له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخرُه إلَّا لِأجَلٍ معدود )) أجلٍ مسمَى معيَّن عند من ؟ عند الله سبحانه وتعالى ولا يعلَمُ هذا الأجل إلا الله، فإنَّ علم الساعة لا يكونُ إلا للهِ سبحانه وتعالى عَجَزَ عنه أعلَمُ البَشَر وأعلَمُ الملائِكَة حين سألَ جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: ( ما المسئُولُ عنها بأعلَم مِن السَّائِل ) طيب، والأجَل المسمى لابد أن يَجِيء، كلُّ شيء مسمّى فهو قريب لكن الأجل المبْهَم هو الذي ينتظِرُه الإنسان إلى أن يحصُل، أمَّا المسمى فلابد أن يُوصَل إليه، (( فإذا جاءَ أجلُهم )) يعني انتَهَت المدة وصارَ يومُ القيامة سواءٌ كانت القيامةُ الكبرى أو القيامة الصُّغْرى، القيامة الكبرى العامَّة لجميعِ الناس والصغرى موتُ كُلِّ إنسان (( فإنَّ اللهَ كانَ بعبادِه بصيرًا )) فيجازيهم على أعمالِهم بإثابةِ المؤمنين وعقابِ الكافرين، جملة (فإنَّ الله) جوابُ الشَّرْط (فإذا جاءَ أجلهم)، فإن قال قائل: ما وجهُ اعتبارِ الجوابِ بالشرط (فإذا جاءَ أجلُهم فإنَّ الله كان بعباده بصيرا) يعني قد تتوقَّع: فإذا جاء أجلُهم عاقَبَهُم الله فيقال: إنَّ قولَه: (فإنَّ الله كان بعبادهِ بصيرًا) أبلَغ مِن: فإذا جاء أجلُهم عاقبَهُم الله لأنَّ مِن هؤلاء مَن قد يعفو الله عنه فلا يعاقِبُه، ولكنَّه ذَكَر أنَّه بصِيرٌ بأعمالهم يجازِيهم عليها وإن شاءَ ألَّا يعاقبهم فعَل في مَن يستَحِقّ العفْو
ولو نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا
والأكثر ما افترقنا، يقول الله تعالى: (( لو يؤاخِذُ الله بما كسبوا )) مِن المعاصي (( ما تركَ على ظهرِها مِن دابَّة )) قولُه: (يؤاخذ) أي يُعَاقِب والمؤاخَذَة بالذَّنْب العُقُوبَة عليه، وقولُه: (الناس) عَامّ يشمَل الكفار ويشمَل العُصَاة مِن المؤمنين، فلو يؤاخذُ الناس كلَّهم بما كسبوا ما تركَ على ظهرها مِن دابة، وقولُه: (بما كسبوا) (ما) يجوز أن تكون مصدرية أي: بكسبِهم، ويجوز أن تكون موصُولةً فإذا كانت موصولة فلابد مِن تقدِيرِ العائد وتقديرُه: بِمَا كَسَبُوه، وقولُه: (بما كسبوا) أي بما اكتَسَبُوا مِن المعاصي وسَمَّى الله تعالى المعاصي كسبًا، لأنَّ العامِل ينَال جزائها فكأنَّه كسَب هذا الجزَاء مع أنَّه كَسْبٌ رابِح ولَّا كسبٌ خاسر؟ خاسِر ولهذا إذَا اقترَن مع العمل الصالح أتَى بغير هذا اللفظ قال الله تعالى: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعَها لها ما كسَبَت وعليها ما اكْتَسَبَت )) ففرَّق بينهما، أما إذا أُفْرِد أحدُهما عن الآخر ... الكسْب بالخيرات وفي السيئات، وقولُهُ: (( ما تركَ على ظهرِها )) أي الأرض " كيف قال المؤلف: أي الأرض وأعادَ الضمير على غير مذكور؟ قال بعضُهم: إنَّه أعاده على مذكُور وهو قولُه: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنَّه كان عليمًا قديرًا )) والكلام كلُّه في سياقٍ واحد في سياقِ العاصين ومآلِهم وعقوبَتِهم فالكلام نسقٌ واحد فالأرض إذًا مذكورة، وقال بعضُهم: هي غيرُ مذكورة لكنَّها معلومة مِن السياق لأنَّ الدواب إنَّما هم على ظهْر الأرض فهي معلُومة مِن السياق، وما عُلِمَ مِن السياق فإنَّه لا يحتاجُ إلى مَرْجِعٍ مذكور، ألم ترَ إلى قوله تعالى: (( حتى توارَتْ بالحجاب )) توارَتْ ما هي؟ الشَّمْس مع أنَّه لم يَسْبِقْ لها ذِكْر، لكنَّها معلومة لأنَّها هي التي تتوارى بالحجاب، يقول: (( ما ترك على ظهرِها من دابة )) نسمَة تدِبُّ عليها " (مِن) حرف جر زائد زائد ولَّا لا؟ لأنَّها جاءَت بعد النفي (ما ترك عليها من دابة) أي ما ترك عليها دابةً لكنَّها دخلَت عليها (مِن) لتؤكِّد العموم، قال المؤلف: نسمة تدب عليها " النسَمَة هي كلُّ ذاتٍ تتنَفَّس لأنَّها مأخوذة مِن النَّسَم وهو التَّنَفُّس وكل شيء فيه رُوح فإنه يتنفَّس، المعنى لَهَلَك كُلُّ شيء على الأرْض، أمَّا البَّشَر العَاصُون فهَلَاكُهُم واضِح وأمَّا غيرُهم فبِشُؤْمِهِم بِشُؤْمِ العُصَاة تَمُوتُ هذه الدواب إمَّا بأن يمنعَ الله عز وجل المطَر والنبات فتَمُوتُ هذه الدواب لأنَّها لا تجِدُ عيشًا، أو أنها تموت بأوبِئَة تجْتَاحُهَا بسبب أعمالِ الناس، ثم قال: (( ولكن يُؤَخِّرُهُم إلى أجَلٍ مُسَمًّى )) أي يوم القيامة " ولكن يؤخرُهم أي الناس والفاعل هو الله، (إلى أجل) أي مُدَّة (مسمَّى) مُعَيَّن وما هو؟ يومُ القيامة كما قال الله تبارك وتعالى في سورة هود (( إنَّ في ذلك لآيةً لِمَن خافَ عذابَ الآخرة ذلك يومٌ مجموعٌ له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخرُه إلَّا لِأجَلٍ معدود )) أجلٍ مسمَى معيَّن عند من ؟ عند الله سبحانه وتعالى ولا يعلَمُ هذا الأجل إلا الله، فإنَّ علم الساعة لا يكونُ إلا للهِ سبحانه وتعالى عَجَزَ عنه أعلَمُ البَشَر وأعلَمُ الملائِكَة حين سألَ جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: ( ما المسئُولُ عنها بأعلَم مِن السَّائِل ) طيب، والأجَل المسمى لابد أن يَجِيء، كلُّ شيء مسمّى فهو قريب لكن الأجل المبْهَم هو الذي ينتظِرُه الإنسان إلى أن يحصُل، أمَّا المسمى فلابد أن يُوصَل إليه، (( فإذا جاءَ أجلُهم )) يعني انتَهَت المدة وصارَ يومُ القيامة سواءٌ كانت القيامةُ الكبرى أو القيامة الصُّغْرى، القيامة الكبرى العامَّة لجميعِ الناس والصغرى موتُ كُلِّ إنسان (( فإنَّ اللهَ كانَ بعبادِه بصيرًا )) فيجازيهم على أعمالِهم بإثابةِ المؤمنين وعقابِ الكافرين، جملة (فإنَّ الله) جوابُ الشَّرْط (فإذا جاءَ أجلهم)، فإن قال قائل: ما وجهُ اعتبارِ الجوابِ بالشرط (فإذا جاءَ أجلُهم فإنَّ الله كان بعباده بصيرا) يعني قد تتوقَّع: فإذا جاء أجلُهم عاقَبَهُم الله فيقال: إنَّ قولَه: (فإنَّ الله كان بعبادهِ بصيرًا) أبلَغ مِن: فإذا جاء أجلُهم عاقبَهُم الله لأنَّ مِن هؤلاء مَن قد يعفو الله عنه فلا يعاقِبُه، ولكنَّه ذَكَر أنَّه بصِيرٌ بأعمالهم يجازِيهم عليها وإن شاءَ ألَّا يعاقبهم فعَل في مَن يستَحِقّ العفْو