تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( إنا نحن نحي الموتى )) للبعث (( ونكتب )) في اللوح المحفوظ (( ما قدموا )) في حياتهم من خير وشر ليجازوا عليه (( وءاثارهم )) ما استن به بعدهم (( وكل شيء )) نصبه بفعل يفسره (( أحصيناه )) ضبطناه (( في إمام مبين )) كتاب بين ، هو اللوح المحفوظ . حفظ
(( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) قال : (( وكل شيء )) نصبه بفعل يفسره (( أحصيناه )) (( كل شيء )) (( كل )) هذه مفعول لفعل محذوف يفسره قوله : (( أحصيناه )) وعلى هذا يكون التقدير أحصينا كل شيء ولا تجمع بين المفسر والمفسر يعني لا تقل التقدير أحصينا كل شيء أحصيناه لأنه لا يجمع بين المفسر والمفسر فإذا أردت أن تقدر تقول التقدير وأحصينا كل شيء في إمام مبين ، لكن قدم يعني جعلت الصيغة على هذا الوجه ليكون المسند في ذكر المسند إليه مرتين ، لأن (( كل شيء )) والضمير في (( أحصيناه )) يعودان على شيء واحد فيكون هنا ذكر المعمول مرتين ، مرة على أنه مفعول بفعل مقدر ومرة على أنه ضمير لذلك المذكور وهو قوله : (( أحصيناه )) هذا التركيب يسمى عند النحويين إيش ؟ يسمى الاشتغال والاشتغال تجري فيه الأحكام الخمسة الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهية والتحريم لكن هذا وجوب نحوي ما وجوب شرعي يعني تارة يجب نصبه وتارة يمتنع وتارة يترجح نصبه وتارة يترجح رفعه وتارة يستوي الأمران ، في مثل هذا التركيب ما الذي يترجح ؟ طبعاً ستقولون يترجح النصب بدون تردد لأنها منصوبة الآن ، يترجح النصب لماذا ؟ لأن الجملة هنا معطوفة على جملة فعلية فإذا جعلناه مفعولاً لفعل محذوف صارت الجملة المعطوفة إيش ؟ فعلية وإلا اسمية ؟ صارت فعلية وتناسب الجملتين أولى من تضادهما هذا معلوم وإلا لا ؟ طيب قلنا إن هذا من باب الاشتغال طيب وترجح النصب هنا لأن قوله : (( أحصيناه )) معطوف على قوله : (( نكتب ما قدموا وآثارهم )) أرجوا الانتباه فإذا جعلنا الواو حرف عطف والجملة فعلية (( أحصيناه )) صار المعطوف جملة أتموا فعلية على جملة فعلية ولو رفعنا هو جائز الرفع هنا لكن النصب أرجح ، لو رفعناه وقلنا وكل ُّشيء أحصيناه ، صار العطف هنا عطف جملة اسمية على جملة فعلية أيهما أنسب ؟ الأول أنسب أن نعطف جملة فعلية على جملة فعلية ولهذا نقول : إن النصب هنا أرجح مع جواز الرفع لولا أنه في كلام الله ولا يغير لكان يجوز أن نقول وكل ُّشيء أحصيناه فهمتم وإلا لا ؟ ولهذا لو قلنا زيد ضربته يجوز أن أقول زيداً ضربته ، لكن أيهما أرجح ؟ الرفع لأنه الأصل ولا في جملة نعطف عليها شيء لكن لو قلت ضربت زيداً وعمر أكرمته ، يجوز في عمر أكرمته النصب ويجوز الرفع لكن أيهما أرجح ؟ النصب لأني قلت ضربت زيداً جملة فعلية والجملة الفعلية عندكم معروفة ماهي ؟ المبدوءة بالفعل ضربت زيداً أقول وعمراً أكرمته ويجوز وعمرٌ أكرمته لكن الأول أولى لتناسب الجملتين طيب نحن ذكرنا هذا على سبيل الاستطراد ولا ليس الدرس درس نحو لكن هذه القاعدة إذا جاءت جملة فيها اشتغال فإن كانت ابتدائية أو معطوفة على جملة اسمية فالراجح الرفع وإن كانت معطوفة على جملة فعلية فالراجح النصب طيب قال الله تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) (( نكتب )) هل الذي يكتب الله عز وجل أو الملائكة بأمر الله ؟ الملائكة بأمر الله لقوله تعالى : (( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ))[الانفطار9:10]وإسناد الكتابة إلى الآمر موجود في اللغة العربية كثيرة يقول السيد كتبت كذا وكذا والمراد كتبه عبيده ، فهنا (( نكتب )) يقول الله عز وجل (( نكتب )) والمراد بملائكته دليل ذلك ، نحتاج إلى دليل وإلا كان يقول ليش تصرفه عن ظاهره ؟ دليل ذلك (( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ))[الانفطار11:12]وقوله : (( نكتب ما قدموا )) أي ما قدموه في الدنيا من أعمال صالحة لأن كل إنسان يعمل عملاً صالحاً في الدنيا فإنه قد قدمه بمنزلة السلم ، تعرفون السلم في البيع المشتري يقدم الثمن أنت الآن مقدم للثمن ، المثمن متى يكون ؟ يكون يوم القيامة وقد يكون في الدنيا ويوم القيامة جميعاً ، فأنت الآن إذا عملت عملاً صالحاً فقد قدمت لنفسك الآن ثمناً تأخذ عوضه يوم القيامة ثق بهذا وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وقوله : (( نكتب ما قدموا )) يقول المؤلف : " نكتب في اللوح المحفوظ ما قدموا في حياتهم " هكذا مشى عليه المؤلف أن المراد بالكتابة هنا الكتابة في اللوح المحفوظ وهذا التفسير مخالف لظاهر اللفظ لأن قوله : (( نكتب )) فعل مضارع والمضارع لا يحمل على الماضي إلا بدليل لفظي ، كلم مثلاً إذا دخلت على المضارع جعلته ماضياً أو دليل حالي يدل عليه السياق ، وهنا لا دليل على أن المراد (( نكتب )) في اللوح المحفوظ ، الكتابة في اللوح المحفوظ انتهت وإلا لا ؟ انتهت كما قال تعالى : (( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ))[الأنبياء:105]اللوح المحفوظ انتهت كتابته ولا يمكن أن تصاغ (( نكتب )) لشيء انتهى ولكن المراد
(( نكتب )) يعني بواسطة الملائكة تكتب ما قدموا والملائكة تكتب وإلا كتبت ؟ تكتب إذاً الصواب نكتب في صحائف الأعمال والذين يكتبون الملائكة بأمر الله عز وجل ، (( ما قدموا )) في حياتهم من خير وشر ليجازوا عليه ، يكتب الله عز وجل ما قدم الإنسان من خير وشر لكن ما قدمه من خير فهو مضمون وما قدمه من شر فليس بمضمون صح نعم لأن الخير لا يمكن أن يضيع أمره بشيء والشر قد يعفو الله عنه إذا لم يكن شركاً لقوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48]وهذا من مصلحة الإنسان إذا كان غير مضمون وإلا من غير مصلحته ؟ من مصلحته نعم قال : (( وآثارهم )) ما استن به بعدهم طيب الآثار جمع أثر والأثر ما أعقب الشيء ومنه أثر القدم بعد المشي فإنه يعقبه فما المراد بآثارهم ؟ قال المؤلف : " ما استن به بعدهم " وهذا التفسير كمثال وليس حصراً لأن الذي يكتب الآثار أكثر مما استن به بعدهم لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فمثلاً الصدقة الجارية هذه من آثارهم وإلا مما قدموا ؟ لا ، من آثارهم أيضاً هذا إذا أوقف الإنسان إذا أوقف مزرعة أو بستاناً على الفقراء وانتفعوا به بعد موته صار هذا من الآثار بلا شك وإن كان أصل التقديم في حياته لكنه النفع صار بعد مماته ، العلم النافع من آثارهم ، كل ما انتفع به بعد موته من علم فهو من آثارهم ، الولد الصالح أيضاً من آثاره لأن الولد من كسب الإنسان فإذا كان ولد صالح يدعو لأبيه أو أمه فهو من الآثار طيب ما اقتدى به الناس بعده من الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة فهو أيضاً من الآثار إذاً ما ذكره المؤلف على سبيل المثال وهذا الذي قاله المؤلف أن المراد بالآثار ما كان من بعد موت الإنسان هذا هو الصحيح .
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالآثار ، الآثار التي يتقدمون بها إلى الطاعة كالمشي إلى الصلوات فإن الله تعالى يكتب للإنسان كل خطوة فيرفع له بها درجة ويحط بها عنه خطيئة واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني سلمة قال لهم : ( دياركم تكتب آثاركم ) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام الآثار تكتب ولكن هذا الاستدلال فيها نظر لأن قول الرسول : ( تكتب آثاركم ) هذا مما قدموه في حياتهم أليس كذلك ؟ ولكنه سماه أثراً لأنه نعم أثر هو الممشى والمسير فالصواب أن الآية كما قال المؤلف أن المراد بـ(( ما قدموا )) " ما سبق من أعمالهم الصالحة في حياتهم حتى آثار مسيرهم إلى المساجد " وآثارهم ما كان بعد موتهم طيب قال : (( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) قال المؤلف : (( أحصيناه )) " ضبطناه " والإحصاء بمعنى الضبط مأخوذ من الحصا لأن العرب كما نعلم أمة أمية ما يكتبون يضبطون الأشياء بالحصى أو شبهها ويقدرون بالرمح وما أشبهه ما يقرءون ولا يكتبون فكانوا إذا أرادوا ضبط الشيء أخذوا حصى كم عدد القوم قال تفضل أعطاك كيس الحصى ، ويعده وإلا لا ؟ إذا عدها خلاص عدد القوم ولهذا قال الشاعر : " ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكافر"
"ولست بالأكثر منهم حصى" يعني قومك مش كثيرين نعم "وإنما العزة للكافر" ويضرب المثل فيقال جاء القوم كثر الحصى نعم على كل حال (( أحصيناه )) ضبطناه وسمي الضبط إحصاء لأن العرب كانت تضبط الشيء بالحصى قال (( أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) كتاب بين وهو اللوح المحفوظ هذا صحيح (( في إمام )) الإمام يطلق على عدة معان يجمعها أنه مرجع فإمام الصلاة مثلاً إمام لأنه مرجع للمؤمنين يقتدون به وإمام الحكم كذلك مرجع يرجع الناس إليه والكتاب إمام لأنه مرجع كما قال الله تعالى (( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ))[الإسراء13:14]إذاً (( في إمام )) في كتاب وقوله : (( مبين )) يقول : " بمعنى بين " لأن مبين هنا من الرباعي ولا من الثلاثي ؟ من الرباعي من أبان يبين فهو مبين أما بين فهي من الثلاثي من بان يبين فهو بين وكلمة بان وأبان تأتيان بمعنى واحداً فيقال بان الصبح وأبان الصبح وتنفرد أبان بأنها تأتي بمعنى أظهر وأوضح أبان الشيء يعني أظهره وأوضحه عرفتم فإذا جاءت كلمة مبين في القرآن الكريم فإنها تصلح بأن تكون بمعنى بين وتصلح أن تكون بمعنى مظهر وموضح لكن ليست كل موضع جاءت فيه تصلح للوجهين جميعاً لا قد تكون في موضع لا تصلح إلا بين نعم فمثلاً
(( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164]معناها بين ظاهر لكن (( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ))[الزخرف:2]بمعنى البين ولا الموضح ؟ الموضح وهو إذا كان موضحاً فهو واضح لكنها هنا مبين بمعنى مظهر أبين يعني أبين في المعنى على كل حال إذا جاءتكم كلمة مبين صلحت فإن تكون من الرباعي الذي بمعنى أظهر فهو أولى من تفسيرها بالرباعي الذي بمعنى ظهر عرفتم لأن المظهر جامع بين الظهور بنفسه والإظهار لغيره فيكون معناه أشمل قال : (( في إمام مبين )) يقول المؤلف الإمام المبين: " أنه اللوح المحفوظ " وهذا صحيح يعني محتمل فإن اللوح المحفوظ كتبت فيه أعمال العباد ولكن هنا (( مبين )) هل الأنسب أن تكون كما فسرها المؤلف بين أو (( مبين )) بمعنى مظهر ؟ أيهما أولى ؟ الأصح الأخير يستلزم المعنى الأول هل المعنى إنه كتاب بين وإلا كتاب مبين يظهر الحقائق ؟ الظاهر أن المعنى الأخير أولى لأن هذا الكتاب مبين للأمور موضح لها وكما قلنا ما كان مبيناً فهو بين نعم .
الطالب : ...؟
الشيخ : لا ، صالح لأن تكون كما قال المؤلف : " اللوح المحفوظ " لأنه يقول : (( أحصيناه )) واضح أنه قد انتهى ويجوز أن تكون صحائف الأعمال لقوله تعالى : (( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ))