التعليق على تفسير الجلالين : (( اتبعوا )) تأكيد للأول (( من لا يسئلكم أجرا )) على رسالته (( وهم مهتدون )) فقيل له : أنت على دينهم ؟ . فقال : (( وما لي لآ أعبد الذي فطرني )) ؟ خلقني ، أي لا مانع لي من عبادته الموجود مقتضيها ، وأنتم كذلك (( وإليه ترجعون )) بعد الموت فيجازيكم بكفركم . حفظ
(( اتبعوا )) تأكيدٌ للأول (( مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا )) كرر الأمر بالاتباع من باب التأكيد (( اتبعوا المرسلين اتبعوا )) ولو حذفت اتبعوا الثانية وقيل : (( اتبعوا المرسلين مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا )) لصح الكلام لكن ذكرت أو كررت للتأكيد لأنها هي محط الخطاب وهي المقصود الأول بالخطاب أن يتبعوا المرسلين وقال :
(( اتبعوا المرسلين مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا )) (( من )) أي الذي وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام فإنهم يدعون الناس ولا يتخذون ولا يطلبون على دعوتهم أجراً يعني أجراً من الناس ، لكنهم يؤملون أو يرجون من الله الأجر أما من الناس فلا يأخذون أجراً .
للبشر هو الدعوة فهم لا يتخذون أجراً على دعوتهم وعلى دلالتهم للخير وإنما يرجون الأجر والثواب من الله (( أجراً )) هنا محلها في الإعراب مفعول ثاني والكاف مفعول أول وهذان المفعولان من باب مفعولي ظن وأخواتها أو كفى وأخواتها ؟ كفى وأخواتها نعم (( اتبعوا المرسلين مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهم مهتدون )) فبين هنا أن هؤلاء الرسل على هدى وليسوا على ضلال وهم لا يسألون أجراً على ما دعوا إليه وقوله : (( وهم مهتدون )) يحتمل أن تكون الواو للاستئناف وأن تكون للحال يعني لا يسألوكم أجراً مع كونهم مهتدين ويحتمل أن تكون للاستئناف وهو الأقرب لبيان حال هؤلاء الدعاة أنهم على هدى ثم قال المؤلف : " فقيل له أنت على دينهم " فقال : (( وَمَا لِيَ لا أَعْبُد الذي فطرني )) ما قدره المؤلف من أنه قيل للرجل أنت على دينهم لا يتعين بل يجوز أن يكون الرجل قال : (( وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني )) على أن المراد به هؤلاء القوم كأنه قال : ومالكم لا تعبدون الذي فطرني ، لكن أضافه إلى نفسه من باب التلطف في الخطاب وهذا هو الأقرب أولاً : لأن ما ذكره المؤلف لا دليل عليه والسياق لا يستلزمه وإذا كان لا دليل عليه من حيث النقل ولا دليل عليه من حيث السياق لأنه لا يستلزمه فالأصل عدمه وإلا وجوده ؟ الأصل عدمه ، ثانيا : أن ما قلناه أبلغ بالتلطف بالدعوة بدل أن يقول : ومالكم لا تعبدون الذي فطركم قال : (( ومالي )) فأضاف الأمر إلى نفسه تلفظاً
وقوله : (( ما لي )) الاستفهام هنا بمعنى الإنكار يعني أي شيء يمنعني أن أعبد الله تعالى وحده وهذا قال :
(( لا أعبد )) أي لا أتذلل للذي فطرني خلقني أي لا مانع لي من عبادته الموجود مقتضيها وأنتم كذلك قوله : (( لا أعبد )) تقدم لنا أن العبادة هي التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه محبة وتعظيماً وأن العبادة تطلق على التعبد الذي ذكرناه وعلى المتعبد به وهي الأفعال التي يتعبد بها الإنسان أو الأقوال وعلى هذا حدها شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه هي : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة "
وقوله (( الَّذِي فَطَرَنِي )) لم يقل لا أعبد الله ليقرن بين الحكم والتعليل وإن شئت فقل بين الحكم والدليل لأن قوله : (( الذي فطرني )) مقتضٍ لكونه هو المعبود إذ أنه هو الخالق فلزم أن يكون هو المعبود وهذا كقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ))[البقرة:21]فقال الذي خلقكم كالتعليل للأمر بعبادته وحده فكما أنه الخالق وحده فيجب أن يكون المعبود وحده ولهذا قال المؤلف : " الموجود مقتضيها " ما هو مقتضيها ؟ أنه هو الذي فطر الخلق وابتدأ خلقهم فلزم أن يكون هو المستحق للعبادة وأن يعبد ، طيب وقوله : (( الذي فطرني )) أي خلقني لأول مرة والفطر والإبداع بمعنى الإيجاد لأول مرة قال الله تعالى : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ))[فاطر:1]وقال : (( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ))[البقرة:117]فالذي فطر الخلق لأول مرة وعلى غير مثال سبق هو الله إذاً فيجب أن يكون هو إيش ؟ هو المعبود أما أن تعبد غير الله وهذا الغير لا يخلق بل هو مخلوق نعم كما قال الله عز وجل (( لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ))[النحل:20]فكيف يصح أنه بدأ هؤلاء ؟ المهم أن هذا الرجل من فقهه وحكمته وحسن دعوته أنه قرن الحكم بماذا ؟ بالدليل ، الحكم (( لا أعبد الذي فطرني )) الدليل (( الذي فطرني ) طيب قال : (( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) وهذا مما يؤيد ما قلنا من أنه يريد قومه لكن من باب التلطف في خطابهم قال : (( وما لي لا أعبد الذي فطرني )) كما تخاطب صاحبك الآن تحاوره أو تخاصمه تقول : ما لي لا أفعل كذا وكذا ، يعني إيش المانع ؟ فإذا كان لا مانع لي فهو لا مانع لك أيضاً ، قال : (( وإليه ترجعون )) بعد الموت فيجازيكم قال المؤلف : " بكفركم " ولو قال : بعملكم لكان أشمل لأنه يجازيهم بالكفر إن استمروا عليه ويجازيهم بالإسلام إن أسلموا ، فلو عبر المؤلف بقوله : فيجازيكم بعملكم لكان أولى .