تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( يا حسرة على العباد )) هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا ، وهي شدة التألم ونداؤها مجاز ، أي هذا أوانك فاحضري (( ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون )) مسوق لبيان سببها لاشتماله على استهزائهم المؤدي إلى إهلاكهم المسبب عنه الحسرة . حفظ
أن هؤلاء المكذبين سوف يتحسرون على تكذبيهم وهذا أقرب إلى السياق لقوله : (( إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * (( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ )) فالكلام كلام الله عز وجل لكن لما كان التحسر ندم وألم صار الله تعالى منزهاً عنه فوجب أن يكون المراد يا حسرة واقعة عليهم أي ما أشد تحسر العباد على ما فعلوا من التكذيب للرسل كما بينه آخر الآية وقوله تعالى : (( على العباد )) المراد بالعباد هنا العبودية العامة وليست الخاصة لأن العبودية الخاصة لا تحسر على أهلها وقد مر علينا أن العبودية عامة وخاصة ، فالعامة ...مثل مثال العامة المراد بها قلت العبودية العامة لأنه لا يدخل فيها غير المكذبين ، طيب ومع ذلك نقول : العبودية العامة لكنها عام أريد بها الخصوص من هم ؟ المكذبون للرسل ، قال : " ونداؤها مجاز " يعني ليس حقيقة لأن النداء حقيقة إنما يوجه إلى من يعقل ، أما من لا يعقل فليس نداؤه على سبيل الحقيقة ولهذا قالوا في قول الشاعر :
" ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثلي "
إن هذا يراد به التمني وليس نداء بمعنى الطلب ، طلب الحضور لأن الليل لا يعقل فالنداء حقيقة إنما يوجه لمن يعقل إذا وجه لمن لا يعقل صار له معنى آخر على سبيل التجوز والمعنى أنه جعل غير العاقل كالعاقل كأن الحسرة شيء يأتي ويذهب تقول : يا حسرة على العباد احضري ، (( مَا يَأْتِيهِمْ )) هذا بيان لسببها ، سبب الحسرة (( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )) (( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ )) (( ما )) نافية و (( من )) زائدة لوقوعها في سياق النفي وهي زائدة زائدة ، زائدة لفظاً تزيد في المعنى وهذا معنى قولنا : زائدة زائدة وليس في القرآن حرف واحد لا يفيد معنى أبداً كل ما في القرآن فإنه يشتمل على المعاني ولكن قد يكون زائداً من حيث الإعراب فقط ولهذا نعرب (( رسول )) في هذه الآية أنه فاعلاً نعربه فاعلاً ونقول : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الزائد ، (( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ )) وفائدتها التنصيص على العموم لأن رسول نكرة في سياق النفي فتعم فإذا جاءت (( من )) صارت أنص وأدل على العموم مما لو حذفت ولهذا قالوا إن فائدتها في مثل هذا السياق : " التنصيص على العموم " نعم فقول : (( من رسول )) الرسول عند عامة أهل العلم هو بشر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ويطلق الرسول على الرسول الملكي فإن الله سمى جبريل سماه رسولاً كما في قوله تعالى : (( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ))[التكوير19:20]إلى آخره ، وقوله : (( مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )) يعني إلا كانوا يستهزؤن به ولكن قدم المعمول وهو (( به )) لإفادة الحصر ولمناسبة رءوس الآيات فقدم لفائدتين :
فائدة لفظية وهي مراعاة الفواصل .
وفائدة معنوية وهي الحصر .
كأنه قال : إذا أتاهم الرسول فكأنهم لا يستهزؤن بأحد سوى هذا الرسول (( إِلَّا كَانُوا بِهِ )) أي لا بغيره وهم يستهزؤن بغيره لكن لما كان هؤلاء قد أمعنوا في الاستهزاء بالرسل صاروا كأنهم لا يستهزؤن إلا بالرسل (( إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )) والاستهزاء هو السخرية والهزء .