التعليق على تفسير الجلالين : (( لا الشمس ينبغي )) يسهل ويصح (( لها أن تدرك القمر )) فتجتمع معه في الليل (( ولا الليل سابق النهار )) فلا يأتي قبل انقضائه (( وكل ))تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم (( في فلك )) مستدير (( يسبحون )) . حفظ
والمؤلف يقول : " يسهل ويصح " لكن الأولى أن نقول : بمعنى يمكن يعني لا يمكن للشمس أن تدرك القمر وقد مر علينا أنه إذا جاءت كلمة لا ينبغي أو ما ينبغي في القرآن فهي بمعنى الممتنع غاية الامتناع كقوله تعالى : (( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ))[مريم:92] مستحيلاً يعني أن ذلك مستحيل وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) أي أن ذلك مستحيل طيب إذاً (( ينبغي )) ...(( لا الشمس ينبغي لها )) أصلها الشمس لا ينبغي لها لكن قدم النفي ليكون المنفي الجملة الاسمية برأسها كلها قال : (( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ )) يعني لا يمكن أن تدرك القمر فتجتمع معه في الليل ، مثلاً إذا غابت لا يمكن أن تخرج في زمن الليل فإذا قدرنا أنها تعود الساعة الثانية عشرة وتخرج الساعة الثانية عشرة بين غروبها وطلوعها تكون اثنا عشرة ساعة لا يمكن أن تطلع في الساعة الثامنة فيكون بين غروبها وطلوعها ثمان ساعات لأن هذا خلاف التقدير ، خلاق التقدير الذي قدره الله عز وجل لها والذي جعلها تسير عليه لماذا ؟ لتمام قدرة الله تعالى ونظام هذا الكون وأنه لا يمكن أن يختلط ولا يضطرب لكن إذا جاء يوم القيامة فإنه يجمع الشمس والقمر ويختلط نظام الفلك بل كل النظام يختلط (( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ))[إبراهيم:48]
كذلك قال : (( ولا الليل سابق النهار )) يعني الليل لا يسبق النهار بل لا يأتي إلا بعده هنا قال : (( ولا الليل سابق النهار )) كأن الليل هو الذي يمكن أن يسبق النهار فنفى الله عز وجل أن يسبق الليل النهار ، قيل : المراد أن الليل لا يأتي قبل انتهاء النهار فيكون الله عز وجل ذكر الشروق لقوله : (( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ )) يعني لا يمكن للشمس أن تطلع في الليل (( ولا الليل سابق النهار )) لا يمكن لليل أن يأتي في زمن النهار طيب إذا قدرنا أن الشمس تغرب الساعة الثانية عشرة فلا يمكن أن تغرب الساعة التاسعة مثلاً لأنها لو غربت الساعة التاسعة لسبق الليل النهار ولو في بعض أجزائه وقيل المعنى (( لا الليل سابق النهار )) أي لا الليل يحل محل النهار فيتوالى ليلتان سواءً ، والمعنى صحيح على كلا القولين فلا يمكن لليل أن يأتي وقد بقي شيء من النهار ولا يمكن أن يأتي الليل كله في مكان النهار لأن هذا ينافي تقدير الله عز وجل الذي وصف نفسه بأنه العزيز بل سمى نفسه بأنه العزيز العليم ، قال : (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) (( كل )) تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم ، النجوم هنا غير مذكورة والصواب من الشمس والقمر لأنه ما ذكر النجوم هنا ، (( فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) (( في فلك )) مستدير (( يسبحون )) يسيرون يعني كل من الشمس والقمر والليل والنهار كل يسبح في الفلك ، والفلك هو الشيء المستدير ومنه فلكة المغزل ، فلكة المغزل في الشيء المستدير في أعلاه ولعلكم قد رأيتم المغزل ، الذي تغزل به النساء الصوف له شيء من شبه الطارف في أعلاه مستدير هذا فلكة المغزل ، الفلك مستدير تدور فيه الشمس والقمر والليل والنهار وقوله : (( يسبحون )) أي يسيرون ولكن المعنى أدق مما قال المؤلف لأن السبح هو العوم في الماء فكأن هذه عائمة في الفلك الواسع تدور ليست تسير على أرض مسطحة أو على ماء بل هي تعوم في هذا الأفق .