التعليق على تفسير الجلالين : (( فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا )) جزاء (( ما كنتم تعملون )) . حفظ
قال المؤلف رحمه الله : " إلا جزاء ما كنتم تعملون " وإنما قدر جزاء لئلا يتسلط الفعل على نفس العمل والعمل قد مضى وانقضى والذي يوجد في يوم القيامة هو الجزاء ولهذا قال : " إلا جزاء ما كنتم " لا نصف العمل فإن العمل كان في يوم الدنيا ليس في يوم القيامة والذي في يوم القيامة هو الجزاء ولهذا قدر المؤلف : " إلا جزاء ما كنتم تعملون " فإن قال قائل : كلام المؤلف هنا أفلا يكون منتقضاً لأنه كالاستدراك على كلام الله عز وجل
فالجواب على هذا أن يقال لا ليس بمنتقض وليس مقتضاه الاستدراك على كلام الله لأن المؤلف أراد أن يفسر المعنى المراد ولم يرد أن في الكلام نقصاً وقد علم في البلاغة أن الإيجاز نوعان : إيجاز حذف وإيجاز قصر ، إيجاز الحذف معناه أن تكون الجملة فيها شيء محذوف يعلم من السياق ، وإيجاز قصر أن تكون الجملة ذات كلمات يسيرة ولها معان كثيرة فعلى كلام المؤلف يكون في الكلام إيجاز حذف
طيب فإذا قال قائل : إن هذا التركيب الذي ذكره المؤلف فيه شيء من الركاكة لا تجزون إلا جزاء ما كنتم ما تعملون ، إذا قورن بقوله : (( وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) فالجواب نعم القرآن أفصح بلا شك وأبين وأسد لأن التعبير عن الجزاء بالعمل أبلغ في التأثير على النفس فإذا علم الإنسان أنه لا يجزى يوم القيامة إلا عمله فإنه سوف يزدجر عن المحرمات وسوف يقوى على فعل المأمورات لأنه يعلم أن عمله هذا نفسه هو الذي سيجزاه يوم القيامة فالذي يظهر لي أن الكلام لا يحتاج لهذا التقدير الذي ذكره المؤلف لأن جعل الشيء الذي هو العمل هو الذي يجزى به الإنسان أبلغ في إثارة النفس كما قررناه وقوله : (( إلا ما كنتم تعملون )) (( كنتم تعملون )) متى ؟ في الدنيا و(( تعملون )) هذه خبر كان وتحتاج إلى الجملة تحتاج إلى عائد على الموصوف على (( ما )) لأنه قد تقرر في علم النحو أن كل اسم موصول يحتاج إلى عائد يربطه بصلته كما أن كل خبر للمبتدأ يكون جملة يحتاج إلى رابط يربط بين الجملة الخبرية وبين المبتدأ التي هي خبر عنه هنا نقول : إن العائد محذوف أي ما كنتم تعملونه ، العمل يطلق بلا شك على الفعل ويطلق أيضاً على القول ويطلق على عمل القلب وهو الركون إلى الشيء والاطمئنان به فإذا أطلق العمل شمل هذه الثلاثة هي :
يطلق على الثلاثة كلمة عمل تكون للثلاثة نعم : عمل القلب وهو ركونه إلى الشيء ورضاه به وطمأنينته به هذا يسمى عمل القلب ، قول يعني عمل اللسان ، فعل عمل الجوارح هذا إذا أطلق العمل أما إذا قيل عمل وقول أو قول واعتقاد وعمل فإن العمل يفسر هنا بماذا ؟ بالفعل الذي هو عمل الجوارح وهذا يكون كثيراً في اللغة العربية وفي القرآن وهو أن الشيء إذا أفرد يكون شاملاً وإذا قرن بغيره صار خاصاً لأنه إذا قرن بغيره صار الكلام على جهة التقسيم والتقسيم لابد فيه من مقسم ، المقسم يكون كل قسيم منه ضداً للقسيم الآخر والخلاصة الآن أن المراد بالعمل هنا إيش ؟ عمل القلب والجوارح واللسان الذي هو القول يشمل كل هذا لأن هذا كله يجازى عليه الإنسان يوم القيامة طيب فإذا قال قائل هل يشمل العمل الكف ؟ أي إذا ترك الإنسان المعصية هل يقال : إن هذا عمل يجزى عليه ؟ الجواب نعم يقال : إنه عمل يجزى عليه ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من هم بالسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة ) لأنه تركها لله فما وجه الترك عملاً ؟ لأن الترك كف النفس عن جماحها وإقدامها فهو عمل وحينئذ نقول : الكلمة أعني يعملون تشمل أربعة أشياء هي : فإنه عمل ويجزى عليه الإنسان (( إلا ما كنتم تعملون )) .