تتمة تفسير قول الله تعالى : (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) . حفظ
(( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ )) يعني ما علمنا محمداً صلى الله عليه وسلم الشعر (( وما ينبغي له )) أي لا يصح ولا يمكن أن يتعلم الشعر لأن تعلمه الشعر يوجب احتجاجاً من المبطلين كما في قوله تعالى :
(( وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )) فلو تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الشعر لقالوا : إن هذا القرآن شعر مما تعلمه كما أنه لو كان يكتب لقالوا : إن هذا شيء مما كتبه قال الله تعالى : (( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) أظن وقفنا على هذه الجملة وبينا أن إن تأتي لعدة معان وهي :
الطالب : ...
الشيخ : من الثقيلة طيب والذي يعين المعاني المتعددة في الكلمة الواحدة هو السياق وهذه قاعدة في كل كلمة ذات معان متعددة يعينها السياق وقرينة الحال قال : (( إن هو )) أي ما هو الذي علمناه (( إلا ذكر وقرآن مبين )) فقوله : (( إن هو )) ضمير يعود على المصدر المفهوم من (( علمنا )) وكون مرجع الضمير مصدر معلوماً من الفعل السابق أمر لا يستغرب ألم تر إلى قوله تعالى : (( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ))[المائدة:8]^(( هو )) أي العدل المفهوم من كلمة (( اعدلوا )) فهنا (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو )) أي الذي علمناه (( إلا ذكر وقرآن مبين )) أي ما الذي علمناه إلا ذكر وقرآن مبين قوله : (( إلا ذكر )) قال المؤلف : " عظة " يعني موعظة يتذكر بها من تذكر ومن الذي يتذكر ؟ الذي يتذكر بهذا القرآن بينه الله تعالى في قوله : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ))[ق:37]^وهذا باعتبار الاستعداد والقبول وقال تعالى في آية أخرى ما يدل على أن كل المتقين يتعظون بهذا القرآن فيكون فيه بيان للذين يتعظون به من حيث السلوك ، ففي سورة ق بيان للذين يتعظون به من حيث القبول والاستعداد في التذكر ، وفي الآيات الأخرى التي تربط التذكر بالقرآن بالإيمان والتقوى وما أشبه ذلك دليل على من يتعظ به من حيث السلوك والعمل وكلما ازداد الإنسان عملاً بالقرآن ازداد تذكراً به وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله في معنى الذكر هو أحد معاني لأن الذكر الذي وصف به القرآن يتضمن عدة معاني :
المعنى الأول ما ذكره المؤلف وهو إيش ؟ العظة والتذكر به
المعنى الثاني أنه ذكر يذكر به الله وهو أشرف أنواع الذكر كيف ذلك ؟ لأن القرآن كلام الله عز وجل فبمجرد ما تتلوه وأنت تشعر أنه كلام الله سوف تذكر عظمة الله عز وجل ولأن القرآن يشتمل على أخبار هي أصدق الأخبار وأنفعها للقلوب ولأنه يشتمل على قصص هي أحسن القصص وأجملها وأتمها ولأنه يشتمل على أحكام من لدن حكيم خبير هي أعدل الأحكام وأقومها بمصالح العباد ولأنه يشتمل على أوصاف الله تعالى وأسمائه التي هي أفضل الأسماء وأشرف الأوصاف كل هذا في الواقع ذكر فالقرآن نفسه ذكر لله عز وجل لأنه يشتمل على كل هذه المعاني التي بينها الله تعالى في كتابه
المعنى الثالث للذكر : أنه رفعة وشرف لمن يقوم به ويعمل به لقوله تعالى : (( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ))[الزخرف:44]^والذكر بمعنى الرفعة والشرف موجود في القرآن كما في الآية التي تلوتها الآن وكما في قوله تعالى : (( ورفعنا لك ذكرك )) أي ذكر بالشرف والتبجيل والتعظيم.
فصار معنى الذكر هنا التذكر الذي هو الموعظة والذكر الذي هو ذكر الله عز وجل بما يشتمل عليه القرآن ثم أشرنا إلى شيء منه والثالث : الشرف لأنه لا شك أن تمسك بهذا القرآن فإنه له الشرف والسيادة على جميع الخلق ولهذا فإني أحثكم أن تمسكوا بهذا القرآن وأنتم إذا تمسكتم به عقيدة عملاً وهدياً فستكون العاقبة لكم ولا تظنوا أنكم قليلون لو كنتم قليلين فإن الاهتداء بالقرآن يستلزم أن ينجذب الناس للمهتدي به حتى يكثر شيئاًَ فشيئاً كالحجر تلقيه في اليم ثم تتسع الدائرة حتى يشمل الماء كله فالحاصل أن المهم أن الإنسان إذا تمسك بهذا القرآن الكريم فسوف يكون له الشرف والسيادة والظهور على جميع الخلق
قال : (( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ )) (( قرآن )) يحتمل أن يكون بمعنى مفعول وأن يكون بمعنى فاعل لأن قرآن مصدر مثل الشكران والغفران والنكران وما أشبه ذلك ، والمصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل ويأتي بمعنى اسم المفعول وعلى هذا فالقرآن قارئ ومقروء أما كونه قارئاً فلأنه من القرء يعني الجمع فهو جامع للأحكام والأخلاق والآداب الموجودة في الكتب السابقة قبله كما قال الله تعالى : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ))[المائدة:48]^هو جامع أيضاً لكل ما تقوم به أمور الدنيا وأمور الآخرة ، هو أيضاً مقروء أي متلو لأنه يتلى والقراءة بمعنى التلاوة إذاً (( قرآن )) نقول : إنه مصدر بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول ، وهل له نظير أعني إتيان المصدر على وزن فعلان ؟ نعم .
الطالب : ...
الشيخ : إي نعم له نظير قلنا الغفران وشكران ونكران وما أشبه هذا طيب قال : (( مبين )) قال المؤلف رحمه الله : " مظهر للأحكام وغيرها " فـ(( مبين )) هنا من أبان بمعنى أظهر وقد سبق لنا مراراً أن أبان يكون لازما ويكون متعدياً ، يكون لازماً بمعنى ظهر وهو كثير في القرآن مثل : (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164]^أي بين ظاهر وتأتي مبين من أبان بمعنى أظهر أي المتعدي كما في هذه الآية
(( مبين )) أي مظهر لأي شيء هو مظهر ؟ مظهر للأحكام وغير الأحكام كما قال الله تعالى : (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ))[النحل:89]^فما من شيء يحتاج الناس إليه إلا وجد في القرآن كل شيء يحتاج الناس إليه موجود في القرآن لكن وجوده في القرآن إما أن يكون على وجه صريح أو على وجه ظاهر أو على وجه الإيماء والإشارة أو على وجه الشمول والعموم أو على وجه اللزوم المهم أن القرآن مبين لكل شيء تارة يذكر الدليل على المسألة وتارة يذكر التوجيه إلى الدليل على المسألة فمثلاً في مسائل كثيرة لا توجد في القرآن وهي من أهم أحكام الإسلام كعدد الركعات في الصلوات وتقدير أنصبة الزكاة وما يجب فيها وما أشبه هذا لكن في القرآن ما يشير إليها مثل قوله تعالى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7]^هذه الآية إذا وجهتها إلى السنة شملت جميع السنة وشرعنا كله لا يعدو الكتاب والسنة إذاً فالقرآن مبين لكل شيء ولهذا قال : (( مبين )) في الأحكام وغيرها هو أيضاً لكل ما سبق من الحوادث التي يكون في بيانها مصلحة كقصص الأنبياء وقصص الأولياء وقصص المكذبين بالرسل وغير ذلك ، كل ما سبق مما في ذكره مصلحة لنا فهو مذكور أما ما ليس لنا فيه مصلحة فإنه لا حاجة إلى ذكره وقد يكون هذا الشيء الذي لم يذكر موكولاً إلى عقول الناس وتجاربهم كما في كثير من طبائع الأشياء ، الأمور الطبيعية سواء كانت فلكية أو جيولوجية أو غير ذلك نجد أن القرآن لم يفصلها ولم يبينها لماذا ؟ لأنه ليس فيها فائدة ، فائدتها تكمن في أن الناس يطلبونها وينظرون في آيات الله ويتحركون حتى يدركوها.
ولهذا تجد بعض المسائل التي يتنازع فيها بعض الناس كمسألة دوران الأرض هل هي موجودة في القرآن على وجه صريح ؟ ما هي موجودة لو كان هذا مما يتعين علينا اعتقاده إثباتاً أو نفياً لكان الله عز وجل يبينه بياناً واضحاً كما بين الأمور التي لابد لنا من الاعتقاد فيها على وجه صريح إذاً هذه موكولة للناس استخراج ما في الأرض من المعادن وغيرها من المصالح العظيمة التي لم يطلع عليها إلا أخيراً هذا أيضاً لم يذكر في القرآن وإن كان في القرآن إشارة إليها لكنه لم يذكر على وجه التفصيل بل قال الله تعالى : (( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ))[الرعد:4]^وقطع هذه للصيغ الجمع جموع التكثير لو تقول إنها ملايين القطع لم يخرج عن دلالتها هذه القطعة لولا أنها تختلف في منافعها وذواتها وكل ما يتعلق بها ما قال الله : (( قطع ))
(( متجاورات )) بل هي متباينة في هذه الآية مثلاً تستطيع أن تقول إن الله أرشدنا إلى استخراج إيش ؟ المعادن من الأرض لأنه بين أنها قطع ما هي القطع اللي فوق التراب هذا فقط في أشياء كثيرة ما تعلم وربما تعلم في المستقبل وربما ظهر علمها الآن المهم أن القرآن مبين إيش ؟ مبين لكل شيء
وأنت إذا تدبرت القرآن مرة بعد أخرى لا تعيد التدبر مرة ثانية إلا ظهر لك معنى جديداً غير الأول ولا يمكن لأحد أن يحيط بمعاني القرآن لكن كلما تدبره الإنسان طالباً الحق مريداً للصواب فإنه يهتدي لمعالم كثيرة ، سئل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ لأنه كان يروج في ذلك الوقت من وقت علي والشيعة يروجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فسئل ( هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ ) يعني من الخلافة أو من العلوم التي كتمها عن الناس فقال : " لا والذي برأ النسمة وفلق الحبة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه وما في هذه الصحيفة ، والذي في هذه الصحيفة العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر " الشاهد كلامه الأول إلا فهما يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه ، هذا الفهم يختلف فيه الناس اختلافاً كثيراً جداً ، جداً ترى بعض العلماء يتكلم على آية يستخرج منها فوائد محدودة معدودة وترى آخر يتكلم عليها يستخرج منها أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما استخرجه الأول كل ذلك بحسب استعداد الإنسان وفهمه وبصيرته وكلما ازداد الإنسان إيماناً وتقوى ازداد هدى بالقرآن (( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ))[محمد:17]
(( وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )) فلو تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الشعر لقالوا : إن هذا القرآن شعر مما تعلمه كما أنه لو كان يكتب لقالوا : إن هذا شيء مما كتبه قال الله تعالى : (( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) أظن وقفنا على هذه الجملة وبينا أن إن تأتي لعدة معان وهي :
الطالب : ...
الشيخ : من الثقيلة طيب والذي يعين المعاني المتعددة في الكلمة الواحدة هو السياق وهذه قاعدة في كل كلمة ذات معان متعددة يعينها السياق وقرينة الحال قال : (( إن هو )) أي ما هو الذي علمناه (( إلا ذكر وقرآن مبين )) فقوله : (( إن هو )) ضمير يعود على المصدر المفهوم من (( علمنا )) وكون مرجع الضمير مصدر معلوماً من الفعل السابق أمر لا يستغرب ألم تر إلى قوله تعالى : (( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ))[المائدة:8]^(( هو )) أي العدل المفهوم من كلمة (( اعدلوا )) فهنا (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو )) أي الذي علمناه (( إلا ذكر وقرآن مبين )) أي ما الذي علمناه إلا ذكر وقرآن مبين قوله : (( إلا ذكر )) قال المؤلف : " عظة " يعني موعظة يتذكر بها من تذكر ومن الذي يتذكر ؟ الذي يتذكر بهذا القرآن بينه الله تعالى في قوله : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ))[ق:37]^وهذا باعتبار الاستعداد والقبول وقال تعالى في آية أخرى ما يدل على أن كل المتقين يتعظون بهذا القرآن فيكون فيه بيان للذين يتعظون به من حيث السلوك ، ففي سورة ق بيان للذين يتعظون به من حيث القبول والاستعداد في التذكر ، وفي الآيات الأخرى التي تربط التذكر بالقرآن بالإيمان والتقوى وما أشبه ذلك دليل على من يتعظ به من حيث السلوك والعمل وكلما ازداد الإنسان عملاً بالقرآن ازداد تذكراً به وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله في معنى الذكر هو أحد معاني لأن الذكر الذي وصف به القرآن يتضمن عدة معاني :
المعنى الأول ما ذكره المؤلف وهو إيش ؟ العظة والتذكر به
المعنى الثاني أنه ذكر يذكر به الله وهو أشرف أنواع الذكر كيف ذلك ؟ لأن القرآن كلام الله عز وجل فبمجرد ما تتلوه وأنت تشعر أنه كلام الله سوف تذكر عظمة الله عز وجل ولأن القرآن يشتمل على أخبار هي أصدق الأخبار وأنفعها للقلوب ولأنه يشتمل على قصص هي أحسن القصص وأجملها وأتمها ولأنه يشتمل على أحكام من لدن حكيم خبير هي أعدل الأحكام وأقومها بمصالح العباد ولأنه يشتمل على أوصاف الله تعالى وأسمائه التي هي أفضل الأسماء وأشرف الأوصاف كل هذا في الواقع ذكر فالقرآن نفسه ذكر لله عز وجل لأنه يشتمل على كل هذه المعاني التي بينها الله تعالى في كتابه
المعنى الثالث للذكر : أنه رفعة وشرف لمن يقوم به ويعمل به لقوله تعالى : (( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ))[الزخرف:44]^والذكر بمعنى الرفعة والشرف موجود في القرآن كما في الآية التي تلوتها الآن وكما في قوله تعالى : (( ورفعنا لك ذكرك )) أي ذكر بالشرف والتبجيل والتعظيم.
فصار معنى الذكر هنا التذكر الذي هو الموعظة والذكر الذي هو ذكر الله عز وجل بما يشتمل عليه القرآن ثم أشرنا إلى شيء منه والثالث : الشرف لأنه لا شك أن تمسك بهذا القرآن فإنه له الشرف والسيادة على جميع الخلق ولهذا فإني أحثكم أن تمسكوا بهذا القرآن وأنتم إذا تمسكتم به عقيدة عملاً وهدياً فستكون العاقبة لكم ولا تظنوا أنكم قليلون لو كنتم قليلين فإن الاهتداء بالقرآن يستلزم أن ينجذب الناس للمهتدي به حتى يكثر شيئاًَ فشيئاً كالحجر تلقيه في اليم ثم تتسع الدائرة حتى يشمل الماء كله فالحاصل أن المهم أن الإنسان إذا تمسك بهذا القرآن الكريم فسوف يكون له الشرف والسيادة والظهور على جميع الخلق
قال : (( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ )) (( قرآن )) يحتمل أن يكون بمعنى مفعول وأن يكون بمعنى فاعل لأن قرآن مصدر مثل الشكران والغفران والنكران وما أشبه ذلك ، والمصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل ويأتي بمعنى اسم المفعول وعلى هذا فالقرآن قارئ ومقروء أما كونه قارئاً فلأنه من القرء يعني الجمع فهو جامع للأحكام والأخلاق والآداب الموجودة في الكتب السابقة قبله كما قال الله تعالى : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ))[المائدة:48]^هو جامع أيضاً لكل ما تقوم به أمور الدنيا وأمور الآخرة ، هو أيضاً مقروء أي متلو لأنه يتلى والقراءة بمعنى التلاوة إذاً (( قرآن )) نقول : إنه مصدر بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول ، وهل له نظير أعني إتيان المصدر على وزن فعلان ؟ نعم .
الطالب : ...
الشيخ : إي نعم له نظير قلنا الغفران وشكران ونكران وما أشبه هذا طيب قال : (( مبين )) قال المؤلف رحمه الله : " مظهر للأحكام وغيرها " فـ(( مبين )) هنا من أبان بمعنى أظهر وقد سبق لنا مراراً أن أبان يكون لازما ويكون متعدياً ، يكون لازماً بمعنى ظهر وهو كثير في القرآن مثل : (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164]^أي بين ظاهر وتأتي مبين من أبان بمعنى أظهر أي المتعدي كما في هذه الآية
(( مبين )) أي مظهر لأي شيء هو مظهر ؟ مظهر للأحكام وغير الأحكام كما قال الله تعالى : (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ))[النحل:89]^فما من شيء يحتاج الناس إليه إلا وجد في القرآن كل شيء يحتاج الناس إليه موجود في القرآن لكن وجوده في القرآن إما أن يكون على وجه صريح أو على وجه ظاهر أو على وجه الإيماء والإشارة أو على وجه الشمول والعموم أو على وجه اللزوم المهم أن القرآن مبين لكل شيء تارة يذكر الدليل على المسألة وتارة يذكر التوجيه إلى الدليل على المسألة فمثلاً في مسائل كثيرة لا توجد في القرآن وهي من أهم أحكام الإسلام كعدد الركعات في الصلوات وتقدير أنصبة الزكاة وما يجب فيها وما أشبه هذا لكن في القرآن ما يشير إليها مثل قوله تعالى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7]^هذه الآية إذا وجهتها إلى السنة شملت جميع السنة وشرعنا كله لا يعدو الكتاب والسنة إذاً فالقرآن مبين لكل شيء ولهذا قال : (( مبين )) في الأحكام وغيرها هو أيضاً لكل ما سبق من الحوادث التي يكون في بيانها مصلحة كقصص الأنبياء وقصص الأولياء وقصص المكذبين بالرسل وغير ذلك ، كل ما سبق مما في ذكره مصلحة لنا فهو مذكور أما ما ليس لنا فيه مصلحة فإنه لا حاجة إلى ذكره وقد يكون هذا الشيء الذي لم يذكر موكولاً إلى عقول الناس وتجاربهم كما في كثير من طبائع الأشياء ، الأمور الطبيعية سواء كانت فلكية أو جيولوجية أو غير ذلك نجد أن القرآن لم يفصلها ولم يبينها لماذا ؟ لأنه ليس فيها فائدة ، فائدتها تكمن في أن الناس يطلبونها وينظرون في آيات الله ويتحركون حتى يدركوها.
ولهذا تجد بعض المسائل التي يتنازع فيها بعض الناس كمسألة دوران الأرض هل هي موجودة في القرآن على وجه صريح ؟ ما هي موجودة لو كان هذا مما يتعين علينا اعتقاده إثباتاً أو نفياً لكان الله عز وجل يبينه بياناً واضحاً كما بين الأمور التي لابد لنا من الاعتقاد فيها على وجه صريح إذاً هذه موكولة للناس استخراج ما في الأرض من المعادن وغيرها من المصالح العظيمة التي لم يطلع عليها إلا أخيراً هذا أيضاً لم يذكر في القرآن وإن كان في القرآن إشارة إليها لكنه لم يذكر على وجه التفصيل بل قال الله تعالى : (( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ))[الرعد:4]^وقطع هذه للصيغ الجمع جموع التكثير لو تقول إنها ملايين القطع لم يخرج عن دلالتها هذه القطعة لولا أنها تختلف في منافعها وذواتها وكل ما يتعلق بها ما قال الله : (( قطع ))
(( متجاورات )) بل هي متباينة في هذه الآية مثلاً تستطيع أن تقول إن الله أرشدنا إلى استخراج إيش ؟ المعادن من الأرض لأنه بين أنها قطع ما هي القطع اللي فوق التراب هذا فقط في أشياء كثيرة ما تعلم وربما تعلم في المستقبل وربما ظهر علمها الآن المهم أن القرآن مبين إيش ؟ مبين لكل شيء
وأنت إذا تدبرت القرآن مرة بعد أخرى لا تعيد التدبر مرة ثانية إلا ظهر لك معنى جديداً غير الأول ولا يمكن لأحد أن يحيط بمعاني القرآن لكن كلما تدبره الإنسان طالباً الحق مريداً للصواب فإنه يهتدي لمعالم كثيرة ، سئل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ لأنه كان يروج في ذلك الوقت من وقت علي والشيعة يروجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فسئل ( هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ ) يعني من الخلافة أو من العلوم التي كتمها عن الناس فقال : " لا والذي برأ النسمة وفلق الحبة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه وما في هذه الصحيفة ، والذي في هذه الصحيفة العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر " الشاهد كلامه الأول إلا فهما يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه ، هذا الفهم يختلف فيه الناس اختلافاً كثيراً جداً ، جداً ترى بعض العلماء يتكلم على آية يستخرج منها فوائد محدودة معدودة وترى آخر يتكلم عليها يستخرج منها أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما استخرجه الأول كل ذلك بحسب استعداد الإنسان وفهمه وبصيرته وكلما ازداد الإنسان إيماناً وتقوى ازداد هدى بالقرآن (( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ))[محمد:17]