الكلام على صفة اليد وصفة العينين لله . حفظ
فإذا قال قائل : الآية التي معنا في سورة يس (( مما عملت أيديناً أنعاماً )) فهل تصفون الله بأن له أيدياً كثيرة أم ماذا ؟ نقول : الذي عليه أهل السنة ليس لله إلا يدان اثنتان وحينئذ نحتاج إلى الجمع بين هذا القول الذي دل عليه قوله تعالى : (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )) وقوله : (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))[المائدة:64]^نحتاج إلى جمع بين هذا وبين هذه الآية
(( مما عملت أيدينا أنعاماً )) وإلى الجمع بينه وبين الإفراد الذي جاء في قوله تعالى : (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))[الملك:1]^وما أشبه ذلك قال أهل العلم : الجمع بينهما متيسر ولله الحمد لأنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت ولا في كلامه من تفاوت أيضاً لا يتفاوت الكلام ولا يتناقض كما لا يتناقض الخلق أيضاً ، الخلق منسجم بعضه مع بعضه كذلك الشرع منسجم بعضه مع بعض كيف ذلك ؟ قالوا : إن المفرد المضاف يشمل لأنه للعموم ألم تر إلى قوله تعالى : (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ))[إبراهيم:34]^كم من نعم ؟ لا تحصى مع أنه قال : (( نعمة الله )) واحدة لكن المفرد المضاف يكون للعموم يشمل كل ما يثبت لهذا المفرد من معنى وإن كثر ، إذاً (( بيده الملك )) لو فرض أن هناك أيدياً كثيرة يدخل في ذلك وإلا لا ؟ واليدان تدخل إذاًَ لا منافاة بين المفرد وبين العدد جمعاً كان أو مثنى واضح ...واضح وإلا..
(( بيده الملك )) اليد مفرد مضاف ، يد مضاف والضمير مضاف إليه المفرد المضاف ماذا يفيد ؟ يفيد العموم أي مفرد مضاف فهو مفيد للعموم هنا أقف لأتبين لو قال رجل امرأتي طالق وله أربع نسوة من يطلق ؟ كل النسوة إلا إذا نوى أنها واحدة ولو قال عبدي حر وله أكثر من عبد عتق الجميع ما لم يرد واحداً ولو قال بيتي وقف صارت بيوته كلها وقفاً ما لم يرد واحداً إذاً المفرد المضاف يعم
هل هناك مثال من القرآن أو من السنة يؤيد ما قلت ؟ نعم مثل قوله تعالى : (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) فإن (( نعمة )) مفرد مضاف فيشمل جميع النعم التي لا تحصى إذاً (( بيده الملك )) نقول : هذا لا ينافي أن يكون المراد باليد هنا اليدين الثنتين بقينا الجمع بين اليدين الثنتين والجمع الذي هو (( أيدينا )) كيف نجمع بينهن ؟ والجواب على هذا من وجهين :
الجواب الأول : أن كثيراً من علماء اللغة يقولون : إن أقل الجمع اثنان واستدلوا لذلك بقوله تعالى : (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )) فهنا جمع مع أن المراد اثنان وبقوله تعالى : (( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ))[النساء:11]^مع أن الأم تحجب باثنين تحجب من الثلث إلى السدس باثنين طيب وبقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( الاثنان فما فوقهما جماعة في الصلاة )
ولكن أكثر علماء اللغة يقولون : إن أقل الجمع ثلاثة وحينئذ يمكن الجمع للوجه الثاني : وهو أن نقول أن المراد بالجمع في قوله تعالى : (( مما عملت أيديناً )) المراد به إيش ؟ التعظيم لأن الجمع يدل على التعظيم ولهذا يأتي ضمير الجمع نا في مقام التعظيم كل ضمير أضافه الله إلى نفسه وهو نا فليس المراد به الجمع ، المراد به التعظيم فهنا الجمع للتعظيم وللمناسبة أيضاً ، المناسبة ماهي ؟ لأنه أضيف إلى ما ينسب الجمع فكان الأنسب أن يكون مجموعاً فهذه المناسبة لفظية وإرادة التعظيم مناسبة معنوية وبهذا يزول الإشكال
فإذا قال قائل : لماذا لا تقولون إن لله أيدياً كثيرة ؟ فالجواب أن هذا يمنعه المعنى لأن الله تعالى لما تمدح وأثنى على نفسه بالعطاء لم يذكر إلا يدين اثنتين ولو كان له أكثر نعم لو كان له أكثر لكان يذكر الأكثر لأن أبلغ في المدح فلما قال : (( بل يداه مبسوطتان )) علم أنه ليس إلا يدان اثنتان ومثل ذلك قوله تعالى : (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ))[الزمر:67]^فأثبت القبضة باليد (( والسماوات مطويات بيمينه )) باليد الأخرى والنصوص في هذا كثيرة ولهذا نعتقد نحن أن الله سبحانه وتعالى ليس له إلا يدان اثنتان فقط
ومثل ذلك نقول في صفة العين ، العين وردت مجموعة ووردت مفردة (( ولتصنع علي عيني )) (( تجري بأعيننا )) فنقول عين مفرد مضاف فيعم (( تجري بأعيننا )) للتعظيم إما أن نقول للتعظيم أو بأن أقل الجمع اثنان وليس لله تعالى أكثر من عينين اثنتين ودليل ذلك حديث الدجال حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عنه وبين تمويهاته قال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) فبين العلامة الحسية الظاهرة وهي عور عين الدجال ومن العجب أن بعض الناس قال : المراد بالعور هنا العيب يريد أن يثبت أن لله تعالى أعيناً كثيرة بناء على الجمع في قوله: (( تجري بأعيننا )) ولكن هذا عور منه ، عور من هذا القائل لأن الحديث صريح في أن المراد عور العين حيث قال : ( أعور العين اليمنى ) ولم يقل أعور فقط لو قال أعور فقط ربما يحتمل ما قاله مع أنه ضعيف لأن اللغة العربية تعبر بالعور عن العين ، الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع لا تجوز للأضاحي المريضة والعجفاء والعوراء والعرجاء ) فجعل العور غير العيب كل الثلاثة الأخرى كلها عيوب لكن جعل العور في العين
فنحن نقول لهم : أصل العور في العين ثم إذا جاء الحديث ( أعور العين اليمنى ) صار قاطعاًَ للاحتمال قطعاً نهائياً لا يمكن أن يراد به العيب فإذا قال قائل : ما وجهه ؟ قلنا وجهه لو كان لله أكثر من عين لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكره لأنه أدل على تعظيم الله وأبين في التمييز ، أدل على التعظيم إذا كان له أعين كثيرة وأبين في التمييز ، أبين من أن يقال : أن الفرق هو أن هذا أعور والرب عز وجل ليس بأعور وبهذا يتبين أن دلالة حديث الدجال وهو صحيح دلالة واضحة ظاهرة على أنه روي في حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة ( إذا قام أحدكم يصلي فإنه بين عيني الرحمن ) وهذا الحديث فيه ضعف لكننا في الحقيقة لسنا بحاجة إليه لأن الحديث ثابت في الصحيحين في وصف الدجال واضح والحمد لله نعم ، أظن باقي علينا من الفوائد ، إيش الباقي ؟
الطالب : ...
الشيخ : (( مما عملت أيدينا أنعاماً )) طيب .