فوائد قول الله تعالى : (( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أإنك لمن المصدقين * أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون )) . حفظ
ثم قال عز وجل (( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين ))
يستفاد من هذه الآيات كمال حبور أهل الجنة وأنهم يتحادثون ويتساءلون عما جرى في الدنيا والتحدث عما جرى على الإنسان فيما سبق فيه لذة وراحة للنفس أرأيت إذا تحدثت عن صباك ماذا تفعل وأنت صبي تجد في ذلك لذة وراحة ويذهب عنك الوقت وأنت لا تشعر به فهم يتساءلون كيف ماذا حصل لنا في الدنيا وكيف وصلنا إلى هذه النعمة إلى غير ذلك من الأحاديث الممتعة الشيقة ولهذا قال (( أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ))
ومن فوائدها كمل أدب أهل الجنة في أنهم عند المحادثة يقبل بعضهم على بعض لقوله (( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون )) وهذا من كمل الأدب أن تقبل إلى محدثك خلافا لمن عندهم سوء أدب تجده عند المحادثة كيف حالك يا فلان وهو على يمينك تصد عنه وأنت تسأل عن حاله حتى مهما كان الأمر فإنه من سوء الأدب لو فرض أنك مثلا تنظر غلى اليسار لاشتغالك بأمر مهم تنظر إليه كطفل صغير تخشى عليه أن يقع في بئر أو ما أشبه ذلك فإننا نقول لا تحدثه وأنت صاد عنه إذا فرغت من هذا النظر أقبل عليه
هل يؤخذ من ذلك أن من سوء الأدب أن تسلم على الإنسان من ورائه ؟ أحيانا الإنسان يكون واقف وحوله جماعة يسلمون عليه كلهم أمامه الآن لكن ييجي واحد من وراء يسلم عليه أنت بين أمرين إما أن تقبل عليه فتستدبر عليه وإما أن تبقى مستقبل الآخرين وتسلم عليه مستدبرا له
الطالب: أقبل عليه ؟
الشيخ : لا لا أقبل عليه ما له حق يسلم علي من وراء والناس من أمامي
الطالب:...
الشيخ : لا ابدا أقول إذا أردت أن تسلم روح مع الناس وربما هذا قصده...عليه علشان يسلم ويمشي أنا أعتقد أن هذا من سوء الأدب ما دام الناس كلهم مقبلون على الإنسان كيف تسلم عليه من وراء أنت تريد أن تقطع حديثه مع هؤلاء لأجل أن يسلم عليك إذا كان السلام معروفا حتى في شراء الخبز.. فليكن هذا في السلام على كل حال كونهم يقبل بعضهم على بعض يدل على أن الإنسان إذا أراد أن يحادث غيره فليكن مقبلا عليه أما يحادثه من الوراء فهذا ليس من الأدب
من فوائد الآية الكريمة جواز التحدث بنعمة الله في الأصل وإلا فإن التحدث من الأمور المطلوبة (( وأما بنعمة ربك فحدث )) لأن هذا الرجل تحدث عما أنعم الله به عليه من الهداية مع أنه كان له قرين يريد أن يغويه ومن فوائد الآية الكريمة جواز غيبة الشخص الداعي إلى الضلالة من أين يؤخذ ؟ من قوله (( قال بعضهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين )) ولا شك أن هذا الداعي قرين يدعوا إلى الكفر فيجوز غيبة الداعية إلى الضلال والكفر للمصلحة العظيمة في الدنيا وهي تحذير الناس منه حتى لا يقعوا في شراكه
الطالب: لو ما سماه...؟
الشيخ :سيطلع عليه حتى لو ما سماه إذا علم بعينه فلا فرق والسؤال هذا في غير محله يا خالد طيب
فيه أيضا من الفوائد أن دعاة الضلال يأتون بالشبه التي توجب ضلال الناس لأن هذا الداعية إلى الضلال يقول (( أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون )) فيلبس عليه ويقول كيف يبعث من كان ترابا وعظاما من أجل أن يجازى ولا شك أن مثل هذه الشبهة تنطلي على عامة الناس
طيب إذن يتفرع على هذه الفائدة أنه يجب الحذر من تشبيه أهل الضلال وألا تدخل شبههم إلى قلب الإنسان وذكر ابن القيم عن شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال " اجعل قلبك بمنزلة الزجاجة أو القارورة الصافية ولا تجعله كالإسفنج يتشرب كل ما ورد عليه " الزجاجة الصافية يرى الشيء من وراءها صافيا ولكن ما يدخل إليها شيء لو تضعها وسط الماء ما دخل إليها لكن الإسفنج يتشرب ويقبل كل ما يرد عليه لو نقطة واحدة انتفخ منها فالإنسان يجب عليه ألا يتشرب الشبهات وأن يكون قلبه صافيا خالصا لا يدخل إليه شيء من هذه الأشياء
فإن قال قائل قد لا أملك هذا الأمر فما موقفي إذا أورد علي شخص شبهة من الشبه ؟ الجواب على ذلك أن نقول إن إيراد شيطان الإنس للشبهة كإيراد شيطان الجن وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا وردت على قلب الإنسان شبهات أمره أن ينتهي عنها وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وعلى هذا فالدواء أن أقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأقوم عن المكان لا أبقى معهم في جدال وأنا ما عندي علم أدفع به الشبهة بل أقوم عن المجلس أما أن أبقى وأنا ليس عندي علم أدفع به شبهاته فربما يؤثر علي فنقول قم وقيامك عن هذا المكان الذي تلقى به الشبهات هو الاعراض أو الانتهاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من ورد على قلبه شيء من الشبهات
ومن فوائد الآيات أنه قد يكون أعدى عدو للإنسان من كان مقارنا له لقوله (( إني كان لي قرين يقول )) ويتفرع على هذا الفائدة الاحتراس من القرناء وألا نلقي إليهم بالمودة والأسرار إلا بعد أن نخبر حالهم لأن كثيرا من الناس يتلطف إليك ويمشي معك لا من أجل أن يستفيد منك ولا من أجل أن تستفيد منه بل من أجل أن يرى ما عندك فيقومك إما في نفسه وإما عند غيره المهم أنه ليس كل قرين للإنسان يكون ناصحا له بدليل هذا (( لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين )) فاحذر القرناء لا تركن إليهم إلا بعد أن تعرف صدق نصحهم ومودتهم وحينئذ الإنسان مدني بالطبع لابد للإنسان من قرين وصاحب يشكوا إليه أموره ويفضي إليه بأسراره ويستشيره في أموره لابد من هذا لكن احذر لا تركن إلى شخص إلا وأنت عارف صدقه