تفسير قول الله تعالى : (( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) . حفظ
فلهذا أكدت يا هداية الله بثلاثة مؤكدات والثاني تسلية النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل ما سبق فيه التحدث عن كفار قريش فأراد الله عز وجل أن يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم بأن قومك ليس أول من ضل بل قد ضل قبلهم أكثر الأولين ففيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها تأكيد لخبر هؤلاء الأمم الماضية التي قد يشك في خبرها من يشك كما أن فيه أيضا زيادة تهديد لهؤلاء المكذبين لأنه قال بعده (( ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) وأكد أيضا هذه الجملة بالوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها في (( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ))
(( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين )) يعني لا كلهم فإن من الأولين من اهتدى ولكن أكثرهم ضل حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه الأمم ( رأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ) -... نزل المصحف لأنك نمت الآن..ما هذا من الأدب أنك تنزل رأسك وأنت نائم - ( والنبي وليس معه أحد ) إذن أكثر الناس الذين أرسل إليهم الرسل قد ضلوا ما دام أنه لم يكن مع النبي أحد يبعث نبي في قومه ولا يكون معه أحد .. أكثر الأولين أي السابقين فكل من سبق هذه الأمة فانه يعتبر من الأولين (( ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) هذه الجملة مؤكدة بما سبق بالقسم واللام وقد وأكدت بالوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها وقوله (( أرسلنا فيهم منذرين )) يعني رسلا منذرين كما قال الله تعالى (( رسلا مبشرين ومنذرين )) لكنه هنا لم يذكر البشارة لأن المقام مقام تهديد فكان طي البشارة أنسب والاقتصار على الإنذار أنسب فقال ولقد أرسلنا فيهم منذرين فمن هو الرسول قال أهل العلم إن الرسول هو الذي أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه كذا ؟
الطالب: لا
الشيخ : وأمر بتبليغه ولهذا يقال أرسل يعني بعث برسوله وامر بالتبليغ فإن قلت ماذا نصنع في قوله تعالى (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ))[الحج:52]حيث قال وما أرسنا من قبلك من رسول ولا نبي فهو يقتضي أن النبي وهو الذي أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه قد أرسل فالجواب أن تقدير الآية وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبأنا من نبي فهو على حد قول الشاعر
" علفتنا تبنا وماء باردا " فالماء البارد لا يعلف ولكنه يسقى وهو على تقدير وسقيتها ماء باردا ومن المعلوم أن حذف ما يعلم جائز كما قال ابن مالك في ألفيته
" وحذف ما يعلم جائز كما تقول زيد بعد من عندكما "
(( ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) أي مخوفين من خالف بالعقوبة وحرمان الثواب فالرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم ينذرون من خالفهم بالعقوبة وحرمان الثواب لأن العاصي يحرم من ثواب الطاعة إذ لو شاء لأحل مكان المعصية طاعة وكذلك يعاقب بما تقتضيه هذه المعصية طيب يقول فيهم (( منذرين )) ومنذرين اسم فاعل من أنذر ينذر والمنذر هو المخوف قال ومنذرين من الرسل مخوفين