فوائد قول الله تعالى : (( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يهرعون )) . حفظ
من فوائد هذه الآية الكريمة وما بعدها بيان أن هؤلاء أعني أهل النار والعياذ بالله لا يمكن أن يخرجوا من النار لقوله (( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ))
ومن فوائدها أن ظاهرها يفيد تأبيد النار لأنها المرجع النهائي وهذا يقتضي أنه ليس هناك سواه وهذا القول اعني أن النار مؤبدة هو القول المتعين ولا يجوز اعتقاد سواه وذلك أن الله تعالى ذكر التأبيد في ثلاثة مواضع من القرآن في سورة النساء وفي سورة الأحزاب وفي سورة الجن ففي سورة النساء يقول الله عز وجل (( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا )) وفي سورة الأحزاب يقول الله تعالى
(( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا )) وفي سورة الجن (( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا )) وبعد هذه الآيات الثلاث من عالم الغيب والشاهدة لا يجوز العدول عن القول بمدلولها فإذا كان الساكن خالدا خلودا مؤبدا لزم أن يكون المسكون كذلك أي مؤبدا لا يمكن فناؤه والقول بجواز فناء النار أو بوجوب فناء النار قوله ضعيف جدا وقد علق شيخنا رحمه الله على ابن القيم في كتابه شفاء العليل حيث ذكر الخلاف عن بعض السلف علق على هذا بأنه قول ضعيف جدا واستغرب أن يقع هذا من مثل ابن القيم رحمه الله لأنه قول مناف للقرآن ولكن لكل جواد كبوة
ومن فوائد الآية الكريمة الإشارة إلى أن هؤلاء يمنون ويؤملون بأن يخرجوا من النار ولكن يرجعون فيها لقوله
(( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم )) وقد ذكرنا في أثناء التفسير أن كون الإنسان يمنى أن يخرج ثم يعاد يكون أشد وقعا عليه وأشد عذابا وألما
وفي قوله تعالى (( إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون )) من الفوائد أن هؤلاء المكذبين اتبعوا آباءهم على الضلال فقوله (( ألفوا آباءهم ضالين )) فضلوا مثلهم
ومن فوائدها الإشارة إلى ذم التقليد المخالف للحق لأن الله تعالى ذكر هذا تنديدا بهم وتوبيخا لهم أن يجدوا آباءهم ضالين ثم يتبعوهم ويدعوا طريق الحق طيب فإذا كان التقليد للضرورة بحيث أن الإنسان لا يتمكن من الوصول إلى الحكم عن طريق الاستدلال فهنا يجوز التقليد للضرورة لقول الله تعالى (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ولم يقل فاستنبطوا من القرآن والسنة إن كنتم لا تعلمون لأن من لا علم عنده لا يمكن أن يستنبط بنفسه ولو حاول استنباط الأحكام من الأدلة وهو ليس عنده علم فسوف يضل ويتخبط خبط عشواء فالإنسان الذي ليس عنده علم فرضه التقليد والذي عنده علم فرضه الاجتهاد وهذا القول وسط بين من يشددون في الإنكار على التقليد وبين من يشددون في الإنكار على المجتهدين نعم فيكون التقليد للضرورة
ومن فوائد الآية الكريمة إطلاق الآباء على الأجداد لأن الظاهر أن قوله (( آباءهم )) يشمل الأب الأدنى والأب الأعلى وإطلاق الأب على الجد ولو بعيدا معروف في الكتاب والسنة قال الله تعالى (( ملة أبيكم إبراهيم )) فسمى الله إبراهيم أبا مع أنه جد بعيد
ويتفرع على هذه القاعدة ترجيح القول بأن الجد يسقط الأخوة مطلقا أي سواء كانوا أشقاء أم لأب أم لأم في باب الميراث وهو القول الراجح أن الجد إذا وجد وهو من جهة الأب فإنه يسقط الأخوة ولو كانوا أشقاء أو لأب لأنه أب وهذا القول هو قول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروي عن ثلاثة عشر صحابيا وهو مذهب أبو حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو القول الراجح المتعين ووجه ذلك أن القائلين بالتوريث أتوا بتفصيلات لو كانت هي الشرع لوجب أن تبين في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام لأنهم يقولون الجد إذا لم يكن من أصحاب الفرض يخير بين الثلث والمقاسمة وإذا كان معه صاحب فرض فإنه يخير بين السدس وثلث الباقي والمقاسمة فنقول من أين لكم هذا التقسيم هذا التقسيم لو كان شرعا لوجب أن يكون في الكتاب والسنة لأن الله سبحانه وتعالى قسم أصحاب الفروض تقسيما واضحا بينا فالأم ذكر أحوالها وكذلك الأخوة والأخوات والأخوة من أم والأخوات مطلقا فأين هذا التقسيم من أين لكم أن الجد إذا لم يكن صاحب فرض فإن ميراثه الثلث أو المقاسمة وإذا كان صاحب فرض فإن ميراثه السدس أو ثلث الباقي أو المقاسمة المهم أن هذا سيأتينا إن شاء الله في الفرائض بأوسع من هذا لكنا تعرضنا لهذا هنا لقوله (( آباءهم ))
ومن فوائد الآية الكريمة قبح عمل هؤلاء المقلدين حيث كانوا يهرعون على آثار آبائهم أما في الحق فإنهم ينكصون على أعقابهم فيتفرع على هذا خطر هؤلاء الناس الذين إذا جاء الحق موافقا لأهوائهم أسرعوا إليه وإذا كان غير موافق نكصوا عنه وصاروا يتباطأون فيه وهؤلاء فيه شبه من قول الله تعالى (( وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين )) فإذا كان الحق لهم أتوا إليه مذعنين وإذا كان الحق عليهم نكصوا وحاولوا أن يلووا أعناق النصوص لتوافق أهواءهم طيب