التعليق على تفسير الجلالين : (( أءنزل )) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه (( عليه )) على محمد صلى الله عليه وسلم (( الذكر ))القرآن (( من بيننا )) وليس بأكبرنا ولا أشرفنا ؟ أي لم ينزل عليه ؟ قال تعالى (( بل هم في شك من ذكري )) وحيي : أي القرآن ، حيث كذبوا الجائي به . حفظ
وقوله : (( أأنزل )) ذكر المؤلف فيها قراءات قال : " بتحقيق الهمزتين " ، الهمزتين هما همزة الاستفهام وهمزة الفعل والتحقيق أن تقرأها هكذا (( أأنزل عليه الذكر )) " وتسهيل الثانية " بأن تمر عليها مراً فلا يظهر أنك حذفتها ولا أنك بينتها فتقول : (( أأنزل )) لم تتبين " وإدخال ألف بينهما على الوجهين " أي وجهي التحقيق والتسهيل ، ألف بينهما أي بين الهمزتين فتقول على قراءة التحقيق (( آأنزل )) وعلى قراءة التسهيل (( أأنزل )) فالقراءة إذاً أربع : تحقيق الهمزتين بلا ألف ، تحقيق الهمزتين بألف ، تسهيل الثانية بدون ألف ، تسهيلها مع الألف ، طيب (( أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ))، (( عليه )) على محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذا القرآن الذي يذكرهم به ، طيب و الذكر أي القرآن وهذا إقرار منهم بأن القرآن ذكر وإن كان يحتمل أن يكونوا قالوه على سبيل التنزل والتهكم وأنهم لا يؤمنون بأنه ذكر وأياً كان فالمقصود بذلك نفي أن يكون محمداً صلى الله عليه وسلم هو الرسول ، يقول : " وليس بأكبرنا ولا بأشرافنا " ويريدون أن يكون نزول القرآن على أكبرهم وأشرفهم ولكن الذي نتيقن أنه لو نزل على أكبرهم وأشرفهم لكذبوا أيضاً كما قال الله تعالى : (( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ )) فهم معاندون لا يريدون الحق ونعلم أنه لو نزل على غير محمدٍ صلى الله عليه وسلم لطالبوا أن يكون نزل على غيره لأنهم لم ينفوا الرسالة حقيقة من أجل شخصية محمد صلى الله عليه وسلم فإن شخصيته عندهم من أفضل الشخصيات وأقواها أمانة وأحسنها خلقاً ولكن يقولون هذا على سبيل العناد والمكابرة فهو كقولهم لما حدثوا بالبعث قالوا : (( ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين )) وهذا مكابرة منهم لأنهم لم يحدثوا بالبعث الآن يحدثون بالبعث متى ؟ يوم القيامة. فلم يأتي الموعد الذي حدد للبعث حتى يتحدوا بهذا التحدي فيقال لهم : إن الله يميتكم ثم يحييكم ثم يبعثكم إلى يوم القيامة و الرسل ما قالت لهم إنكم تبعثون الآن حتى تقولوا لهم : هاتوا آبائنا ، بل وستبعثون يوم القيامة وسيأتي آباءهم ومن سبقهم ، طيب. نقول : إن قولهم (( أؤنزل عليهم الذكر من بيننا )) قالوها على سبيل إيش ؟ المكابرة والمعاندة ، لأننا نعلم أنه لو نزل على غيرهم لقالوا شيئاً آخر ، قالوا : وليس بأكبرنا ولا أشرفنا ، أما قولهم : وليس بأكبرنا إن كانوا قالوه فهم صادقون ، فالرسول ليس بأكبرهم سنا فيهم من يكبره و أما قوله : ولا أشرافنا فهم كاذبون فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ). وقال الله تبارك وتعالى : (( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )) فلم يجعل رسالته إلا في أحق الناس بها وأجدرهم بها وأولاهم بها. يقول المؤلف : " أي لم ينزل عليه " حال تفسيره للاستفهام في قولهم : (( أؤنزل عليه الذكر من بيننا )) أي أن الاستفهام للنفي لكنه جاء على سبيل الاستفهام لماذا ؟ للتعجب والاستبعاد من أن ينزل عليه الذكر من بيننا. قال الله تعالى : (( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي )) (( بل )) هذا إضراب لإبطال ما ادعوه من كونهم يريدون أن ينزل القرآن على أشرفهم يقول : (( هم في شك من ذكري )) فكيف يقولون لو نزل على أشرفنا لو نزل على غير محمد ؟ والشاك في الأصل لا يطلب الفرع أصلاً فإذا كانوا في شك من نزول هذا الذكر بقطع النظر عن كونهم محمداً وآله فكيف يقولون : (( أؤنزل عليه الذكر من بيننا )) . وعلى هذا، فقولهم ليس مبنياً على أصل يعني أنهم لم يؤمنوا بهذا الذكر أصلاً فضلا عن أن يكون مع محمد أو غيره (( بل هم في شك من ذكري )) وحي أي القرآن حيث كذبوا الجائي فإن من كذب بمن جاء بالشيء فإنه منكر للشيء لأنه لو قال لك قائل : قدم فلان اليوم فقلت : أنت كاذب ، هل تكون مؤمناً بقدومه ؟ نعم ، لا تكون مؤمناً بقدومه ، وكيف تكون مؤمناً بقدومه وهو لم يأتك إلا من هذا الطريق الذي زعمت أن صاحبها كذاب ؟ ولهذا إذا كان هذا الذكر لم يأت إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أنه كاذب وأنه ليس برسول وليس له حق في الرسالة لأن فيه من هو أحق منه فكيف تقولون إنه ذكر ؟ إذاً هم في شك من هذا الذكر وهل هذا الشك حقيقة أو على سبيل العناد ؟ الظاهر والله أعلم أنه على سبيل العناد لكن منهم من يشك لقوة الدعاية المضادة فبقوة الدعاية المضادة ولا سيما إذا جاءت من الأكابر سوف يلحق العامة إيش ؟ شك من هذا القول (( بل هم في شك من ذكري )) وقوله : (( من ذكري )) أي من الذكر الذي أنزلت وهو القرآن. والشك هو التردد وعدم الجزم وقد قيل : إن الإدراك ينقسم إلى خمسة أقسام : إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً ، وإدراك الشيء على خلاف ما هو عليه ، وإدراك الشيء برجحان ، وإدراك الشيء بمرجوحية ، وإدراك الشيء على السواء، هذه خمسة أقسام.
فإدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً يسمى علماً كإدراكنا أن الواحد نصف الاثنين هذا علم ، وإدراك الشيء على خلاف ما هو عليه جهل مركب، مثل أن تدرك أن غزوة بدر مثلاً السنة الثالثة فهذا نسميه جهلاً مركب ، وعدم إدراكه بالكلية هذا جهل بسيط ، وإدراك الشيء مع رجحان ظن ، و إدراكه مع المرجوحية وهم، و إدراكه مع التساوي شك فهذه ستة أقسام ، إدراكه على ما هو عليه ، وعلى خلاف ما هو عليه ، وعدم الإدراك بالكلية ، والإدراك برجحان ، والإدارك بمرجوحية ، والإدراك بالتساوي ستة أقسام . الشك أحياناً يراد به التساوي وأحياناً يطلق على الراجح والمرجوح والمساوي وهذا ما يكون في كلام الفقهاء عندما يتحدثون عن الشك في الحدث أو الشك في نجاسة الطاهر فإنهم يريدون الشك الراجح والمرجوح والمساوي يعني بمعنى أنه إذا شككت في نجاسة الماء الطاهر ولو غلب على ظنك أنه نجس فهو طاهر ، وإذا شككت هل أحدثت ولو غلب على ظنك أنك أحدثت فأنت طاهر ، وعللوا ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينصرف حتى يسمع قولاً أو يجد ريحاً ) يعني حتى يتيقن ولا عبرة بالظن ، نعم يقول : (( بل هم في شك من ذكري)).