التعليق على تفسير الجلالين : (( بل لما )) لم (( يذوقوا عذاب )) ولو ذاقوه لصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ . حفظ
(( بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ )) (( بل )) هذه للإضراب الانتقالي لا للإبطالي (( لما يذوقوا عذاب )) قال المؤلف : " أي ((لم )) وهذا تفسير ببعض المعنى لأن لما ولم تشتركان في النفي لكنهما تختلفان فيما عداها ، لأن لم لنفي غير المتوقع ولما لنفي المتوقع القريب فإذا قلت لم يقم زيد فهذا نفي لقيامه على وجه لم يتوقع منه القيام ، وإذا قلت لما يقم زيد فهو نفي لقيامه على وجه يتوقع منه القيام عن قرب وعلى هذا فقوله : (( لما يذوقوا عذاب )) أي لم يذوقوه ولكن سيذوقونه قريباً ، قالوا : ولما تأتي على أوجه : تأتي نافية فتجزم الفعل المضارع كما تجزمه لم ، وتأتي بمعنى حين ، وتأتي شرطية ، وتأتي استثنائية، هذه أربعة أوجه . تأتي نافية كنفي لم لكنها تختلف عنها بأن منفي لم لا يتوقع ومنفيها يتوقع قريبا مثل هذه الآية وتأتي شرطية كقوله تعالى : (( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا )) ، وتأتي استثنائية كقوله تعالى : (( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ )) أي ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وتأتي بمعنى حين ، فتقول : قدمت البلد لما طلعت الشمس أي حين طلعت الشمس ، طيب هنا (( لما يذوقوا عذاب )) من أي الأقسام الأربعة ؟ نافية . قال : (( بل لما يذوقوا عذاب )) (( يذوقوا )) أصلها يذوقون لكن حذفت النون للجزم ، لأن لما من حروف الجزم طيب. (( بل لما يذوقوا عذاب )) ولو ذاقوه لصدقوا قوله : (( عذاب )) قد يشكل على طالب العلم وهو أن الفعل واقع عليه ومع ذلك لم ينصب أي لم يقل : بل لما يذوقوا عذاباَ ، فكيف توجيه ذلك ؟ كيف لم ينصب عذاب مع أن الفعل واقع عليه ؟ والجواب عن ذلك أن نقول : إن عذاب أصلها عذابي بالياء والمضاف إلى ياء المتكلم تقدر عليه الحركات وذلك لأنه لا بد أن يكسر من أجل مناسبة الياء فتكون الحركات مقدرة عليه وعلى هذا فنقول : (( عذاب )) مفعول يذوقوا منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفاً منعاً من ظهورهاً اشتغال المحل بحركة مناسبة . والياء هنا حذفت للتخفيف وهذا كثير في القرآن وفي اللغة العربية أن تحذف ياء المتكلم بالتخفيف كما في قوله تعالى : (( الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ )) ، (( وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )) ، التقدير متعالي ، ومن والي ، طيب (( بل لما يذوقوا عذاب )) العذاب ليس مطعوماً يذاق ولكن الإصابة به ذوق وذوق كل شيء بحسبه فإذا أعطيتك حلاوة وأدخلتها في فمك ومصصتها فهذا ذوق ، وإذا أعطيتك لحمة ومضغتها فهذا ذوق ، وإذا ضربتك وأحسست بالضرب فهذا ذوق، فذوق كل شيء بحسه . فالعذاب ليس ذوق العذاب كذوق الطعام والشراب بل هو ذوق مناسب له ، (( بل لما يذوقوا عذاب )) قال المؤلف : " ولو ذاقوه لصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به " ولكن هذا التصديق لا ينفعهم لأنه إذا صدق الجاحد بعد نزول العذاب به فإن ذلك لا ينفعهم قال الله تعالى : (( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا )).