التعليق على تفسير الجلالين : (( كذبت قبلهم قوم نوح )) تأنيث قوم باعتبار المعنى (( وعاد وفرعون ذو الأوتاد )) كان يتد لكل من يغضب عليه أربعة أوتاد يشد إليها يديه ورجليه ويعذبه . حفظ
قال المؤلف رحمه الله : " تأنيث قوم باعتبار المعنى " هل قوم مؤنث أو الفعل الذي كان القوم فاعلاً له هو الذي يؤنث ؟ نعم نقول : هكذا الفعل هو الذي أنث (( كذبت )) أما قوم فليس فيها تاء تأنيث لكن المعلوم من المعلوم أن الفعل إذا أنث فالفاعل مؤنث يعني معناه إذا وقع الفاعل لفعل مؤنث فهو مؤنث لكن هذا اللفظ هل هو مؤنث لفظاً أو باعتبار المعنى ؟ قال المؤلف : " باعتبار المعنى ". وهنا نسأل كيف يكون مؤنث باعتبار المعنى ؟ لأن (( قوم )) جماعة وكل جمع يجوز تأنيثه قال ابن مالك رحمه الله :
والتاء مع جمع سوى السالم منه مذكر كالتاء مع إحدى اللبن
إحدى اللبن هي اللبنة فلبنة يجوز فيها التذكير والتأنيث لكن التأنيث أرجح كذلك جميع الجموع ما عدا جمع المذكر السالم يجوز فيه وجود التاء في الفعل ، طيب.
قال : (( وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ )) (( عاد )) قوم هود كانوا بالأحقاف وكانوا ذوي شدة وقوة من أشد الناس قوة فأعجبوا بقوتهم واستكبروا وعصوا رسوله عليه الصلاة والسلام وافتخروا بما أعطاهم الله من القوة كما قال الله عنهم : (( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ))، قال الله تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )). فتأمل قوله : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ )) لأن فيها إشارة إلى أنهم ضعفاء أمام خالقهم، ولم يقل : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات بل خلقهم، فهم مخلوقون والخالق أعلى من المخلوق وأشد منه قوة (( هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )) فأهلكهم الله، وعلى حين طمع في رحمته أرسل الله عليهم ريحاً عظيماً ولما رأوا ما تحمله الريح من الرمال العظيمة ظنوا أن ذلك سحاب لما رأوا هذا قالوا : (( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )) فقال الله تعالى : (( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا )) فعصفت بهم الريح العقيم حتى كانت تحمل الواحد منهم إلى جو السماء ثم تقلبه على رأسه فصاروا كأعجاز نخل خاوية ، أعجاز نخل يعني أصولها وجذوعها ، (( خاوية )) منتكسة فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، طيب ومع ذلك ما آمن معه إلا نفر قليل. قال : (( وفرعون ذو الأوتاد )) كان يكد لكل من يغضب عليه أربعة أوتاداً يشد إليها يديه ورجليه ويعذبه ، شوف فرعون الذي أرسل إليهم موسى وكان ملكاً قاهراً لمصر جباراً عنيداً استعبد أهل مصر، وقال لهم : (( أنا ربكم الأعلى )) وسخر بموسى، وقال لهم : (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ )) وفخر بما أعطاه الله تعالى من الأنهار قال لهم : (( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ )) وكذب موسى، وحارب موسى لكن ليس بالسلاح، بل بما جمع له من السحرة لأنه أوهم الناس أن موسى كان ساحراً قال هذا ساحر، لأنهم يروا العصا في الأرض فتكون حية ويدخل يده في جيبه فتجرج بيضاء من غير سوء، هذا ساحر ، وجمع السحرة وألقوا بما عندهم من السحر العظيم الذي أرهب الناس حتى موسى عليه الصلاة والسلام رهب وخاف فقال الله تعالى : (( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا )) فأيده الله وألقى ما في يمينه العصا فصارت حية عظيمة التهمت الحبال والعصي التي ملئوا بها الأرض وصار يخيل للناس أنها حيات وثعابين تسعى فالتهمتها كلها وسبحان الله كيف هذه الحية التي كانت عصا تلتهم كل هذا ؟ هذا من آيات الله. فلما رأى السحرة هذا الأمر دهشوا وعلموا أن هذا ليس بساحر، لأن الساحر لا يمكن أن يأتي بمثل هذا الأمر، بل هو حقيقة وهو آية أيد الله بها موسى فآمنوا كلهم، كل السحرة، وسجدوا لله ذلاً وعبادة وقالوا معلنين : (( آمنا برب العالمين رب موسى وهارون )) فماذا يكون تأثير هؤلاء القوم الذين انتصر بهم فرعون بين الناس ؟ سيكون تأثيرهم بين الناس كبيراً وعظيماً ، أرأيتم أن أحداً من الملوك جمع أكبر ما عنده من المهندسين في حشد عظيم ثم أقروا وأعلنوا لخصوم هذا الملك ماذا يكون شعور الناس ؟ أجيبوا سيكون شعورهم أن الملك مهزوم ولهذا لما حصل إيمان السحرة لجأ فرعون إلى القوة والقهر وهددهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل حتى يذوقوا العذاب، ولكنهم بإيمانهم (( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )) فصمدوا أمام هذا الطاغية العنيد حتى صاروا في أول النهار من السحرة الكفرة وصاروا في آخر النهار من المؤمنين البررة ، ما الذي حصل من فرعون ؟ بقي مستمراً على طغيانه والعياذ بالله حتى أهلكهم الله بالغرق بجنس ما كان يفتخر به على قومه وعلى موسى حين قال : (( وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي )) فأهلك بالماء الذي كان يفتخر به، وقول المؤلف : (( وفرعون ذو الأوتاد )) " كان يكد إلى آخره" ، الذي يظهر أن هذا ليس سبب الوصل بـ (( ذي الأوتاد )) وإنما السبب الحقيقي أن المراد بالأوتاد القوة التي ثبت بها ملكه كأوتاد الخيمة تثبت بها الخيمة ولا يبعد أن يكون من جبروته أن يضع أوتاداً أربعة يصلب عليها الإنسان ويؤدبوه، ما يبعد هذا، لكن هذا لا يمكن أن يمتدح به فرعون على أنه ذو قوة بل الصحيح أن المراد بالأوتاد هنا إيش ؟ ما كان عليه من القوة التي ثبت بها ملكه كأوتاد الخيمة تثبت بها الخيمة .
الطالب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ * إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ * وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ * وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ * اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ))
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ )).