تفسير قول الله تعالى : (( اصبر على ما يقولون ... )) . حفظ
فقال الله تعالى : (( اصبر على ما يقولون )) ".
هم في قولهم : (( ربنا عجل لنا قطنا )) يريدون بذلك مضايقة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يضجر ويتعب نفسياً وفكرياً وربما جسمياً. ولا شك أن هذا يؤذي الداعية ، أنت لو دعوت إلى الله وقام واحد وقال : هذا الذي تتوعدنا به يالله هاته عجل لنا، تضيق بهذا ولا لا ؟ لا شك أنك تضيق. فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر لولا أن الله تعالى يصبره بالآيات (( اصبر )) (( اصبر )) ما صبر، لكن الرب عز وجل يصبره شرعاً ويعينه على ذلك قدراً ، يصبره شرعاً بالأمر (( اصبر )) (( اصبر )) ويعينه على ذلك قدراً فقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم صبراً لا يصبره أحد (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ ))[الأحقاف:35] والعجيب أن من صبره أنه صبر حين المقدرة عليهم صبر ، صبر على العذاب الذي يكون بيده وعلى العذاب الذي يكون من عند الله ، صبر على العذاب الذي يكون بيده حين فتح مكة و وقف على باب الكعبة وقريشاً تحتها ويقول : ( يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )، في هذا الحال يستطيع أن يبطش بهم ولا لا ؟ يستطيع كلهم أذلة بين يديه لكن قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). بل قال قبل ذلك : ( من دخل داره فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) زعيمهم كل هذا من باب العفو والتسامح مع المقدرة .
أما عفوه وتسامحه مع المقدرة بأمر يوقعه الله سبحانه وتعالى فيهم فإنه لما رجع من الطائف بعدما فعل به أهل الطائف ما فعلوا أرسل الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال وقال : "
إن الله يقرئك السلام وهذا ملك الجبال يفعل ما تأمر به " فقال له ملك الجبال : " إن شئت أن أطبق الأخشبين عليهم فعلت " ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أبى قال : ( أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به ). اللهم صل وسلم عليه ، انظر إلى العفو وإلى النظر البعيد فأخرج الله ولله الحمد من أصلاب هؤلاء من عبد الله ولم يشرك به وكانوا أئمة يهدون بأمر الله. فالنبي عليه الصلاة والسلام يجد المضايقات العظيمة من قريش لكنه يصبر ، يصبر على كل أذى ولهذا قال الله له : (( اصبر على ما يقولون )) من أقول الاستهزاء والسخرية والكذب قالوا : إنه ساحر مجنون كذاب كاهن ولكنه يصبر. صبر على ما يقولون وصبر على ما يفعلون أيضاً ماذا فعلوا به ؟ أعظم شيء علمت به أنه كان ذات يوم ساجداً تحت الكعبة في آمن مكان وأعظمه حرمة وأقرب ما يكون من ربه ساجد لله وكان حوله ملأ من قريش، فقالوا : من ينتدب لنا يأتي بسلا جذور بني فلان يضعه على محمد وهو ساجد فانتدب أشقاهم وذهب وأتى بسلا الجذور ووضعه على ظهره، دم وروث وقذر ونجاسة على ظهره وهو ساجد ولكنه لم يقم من السجود حتى جاءت ابنته فاطمة وهي صغيرة فأزاحته عنه فقام صلى الله عليه وسلم. هذا لا يستطيع أن يتصور فداحة الأذى والعياذ بالله ثم لما فرغ من الصلاة دعا الله عليهم فأجاب الله دعوته وعذبهم بيده وسحبوا في قليب بدر في غزوة بدر جثثاً ممتنة خبيثة، وطرحوا في أحد الآبار هنالك ، اللهم انصر الحق أينما كان يارب العالمين ، هذا آخر .
الطالب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ * اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاق * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ * وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ )) .
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أظن أننا لم نكمل الفوائد
الطالب : .....
الشيخ : الفوائد كملناها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى : (( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ )) الخطاب في قوله : (( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ )) لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله أن يصبر على ما يقول له أعداءه مما يتعلق بجانب الرب عز وجل من إنكار توحيده ومما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من وصفه بأنه كذاب وساحر ومجنون ومما يتعلق بأصحابه. كل ما يقولون مما يسوء الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يصبر عليه وكذلك أيضاً يصبر على ما يفعلون لأن أذية المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم كانت بالقول وبالفعل جمعاً وإفراداً. والصبر حبس النفس عما لا يجوز في مقابلة البلية والمصيبة وقد قسم العلماء رحمه الله الصبر إلى ثلاثة أقسام فقالوا : صبر على أقدار الله المؤلمة وصبر عن محارم الله وصبر على طاعة الله وهذا الأخير هو أعلى أنواع الصبر لأن الصبر الأول صبر قهري ، الصبر على المصائب صبر قهري لأن المصائب لم تقع باختيارك وإنما هي بغير إرادتك فأنت أمامها إما أن تصبر صبر الكرام وإما أن تسلو سلو البهائم ، وصبر عن محارم الله أيضاً دون الصبر على أوامر الله وذلك أن الصبر على محارم الله ليس فيه إلا كف النفس فقط والكف أسهل من الفعل ، أما الصبر على الطاعة فهو أعلاها لأن فيه صبراً على كف النفس وعلى فعلها ، على كف النفس يكفها على ترك هذا المأمور به ، وعلى الفعل يرغمها على أن تفعل، لهذا قال أهل العلم : إن الصبر على أوامر الله أفضل من الصبر عن نواهي الله ، والصبر عن نواهي الله أفضل من الصبر على أقدار الله المؤلمة ، ومن ثم لو سألنا سائل أيهما أعلى مقاماً وأفضل صبر يوسف على الحبس أو صبره عن فعل الفاحشة في امرأة العزيز ؟ الثاني صبره على الفاحشة أعظم وأعلى مرتبة .
قال : (( اصبر على ما يقولون ))، ما يقولون فيمن ؟ في الله كيف في الرسول يا خالد ؟ في الله أولاً لأن الكلام هنا كل السورة من أولها إلى هذا في إنكار ألوهية الله أو توحيد ألوهية الله ، ما يكون في ألوهية الله وفي الرسول وفيما جاء به وفي أصحابه .