التعليق على تفسير الجلالين : (( إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف )) نحن (( خصمان )) قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع . وقيل اثنان ، والضمير بمعناهما ، والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في صورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه ، وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها (( بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط )) تجر (( واهدنا )) أرشدنا (( إلى سوآء الصراط )) وسط الطريق الصواب . حفظ
(( خصمان )) أي نحن خصمان قيل : فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع وقيل : اثنان والضمير بمعنى هما. يعني خصمان أي طائفتان مختصمتان. والذين قالوا : أن المراد بالخصمين هنا طائفتان استدلوا بضمير الجمع السابق وهو قوله : تسوروا ودخلوا. وقيل : إنهم خصمان أي رجلان اثنان اختصموا والضمير بمعنى هما الضمير يعني ضمير الجمع السابق بمعنى هما أي بمعنى الاثنين ولكن الذي يظهر الأول أي خصمان أي فريقان مختصمان لأن ذلك هو المطابق لضمير الجمع ولأن ذلك هو الذي يحصل منه الفزع لأنهم إذا كانوا جماعة صار الفزع منهم أكثر. يقول : " والخصم يطلق على الواحد وأكثر " صحيح. الخصم يطلق على الواحد فأكثر فيقال لمدعٍ ومدعٍ عليه يقال للمدعي خصم والمدعي عليه : خصم ، ولو كان واحداً ويقال مع جماعة لجماعة هم أيضاً خصم. يقول رحمه الله : " وهما ملكان جاءا في صورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرق لتنبيه داود على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها " يقول المؤلف : إن هذه الخصمين ملكان أرسلهما الله سبحانه وتعالى إلى داود من أجل أن ينبه على قضية معينة. هذا القضية كما تقول الإسرائيليات أنه عشق امرأة رجل ولكنه كيف يصل إليها وهي مع زوجها فأمر زوجها أن يخرج في الجهاد في الجند لعله يقتل فإذا قتل تزوجها فأرسل الله تعالى إليه الملكين من أجل أن ينبهاه على بشاعة هذه القضية لأن هذه القضية بشعة من أدنى واحد من الناس فكيف تكون من نبي وكأن الله سبحانه وتعالى لم يشأ أن ينبهه بالوحي فيقول : يا داود لم تفعل كذا ؟ كما نبه الله عز وجل بأكله من الشجر بدون ضرب مثل وكذلك نبه الله محمداً صلى الله عليه وسلم حين عفا عن قوم من المنافقين بدون أن يتبين أمرهم بدون ضرب مثل ونبهه على تحريمه ما أحل الله لابتغاء مرضات أزواجه بدون ضرب مثل إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى ينبه على ما يحصل من الرسل بدون أن يضرب لهم أمثالاً لكن هذه القصة الإسرائيلية أبت إلا أن يضرب مثلاً لفعل داود المزعوم والحقيقة أن هذا القصة باطلة ولا يحل لأحد أن يعتقدها في داود أن عشق امرأة رجل وأراد أن يتزوجها وكان عند داود تسع وتسعون امرأة فأراد أن يكمل بهم المائة هذا غير لائق بأدنى واحد من الناس فضلاً عن نبي من أنبياء الله. لكن اليهود لعنة الله عليهم لا يبالون أو يلطخوا الأنبياء كما لطخوا من أرسل الأنبياء فقالوا : (( يد الله مغلولة )) وقالوا : (( إن الله فقير )) وقالوا : إن الله يتعب فليس غريباً أن يلطخوا الأنبياء بالعشق والحيل والمكر فلهذا لطخوا داود بهذه الكذبة. والصحيح الذي لا شك فيه أنهم خصمان من البشر وليسوا ملائكة خصمان من البشر تنازعا في قضية بينهما ستأتي في القرآن الكريم وكل ما سوى ذلك فإنه كذب لأن القرآن يكذبه فإن القرآن إذا أتى بالقصة فلا بد أن يأتي بها على وجه إيش ؟ الكمال لتكون عبرة وعلى وجه الصراحة لئلا يكون فيها إلباس واشتباه. فالقصة كما هي في القرآن تماماً ما في ملائكة ولا فيه رجل له زوجة حسناء أرادها داود أبداً ولا يجوز للمسلم أن يعتقد هذا في أحد أنبياء الله ، القصة هي (( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ )) (( خصمان بغى بعضنا على بعض )) يعني اعتدى عليّ لأن البغي هو العدوان اعتدى علي وطلبوا منه قال : (( احكم بيننا بالحق ولا تشطط )) طلبوا أن يحكم بينهم لكنهم أضافوا كلمة ليست بجيدة قالوا : (( احكم بيننا بالحق )) ومثل هذا لا ينبغي أن يقال لنبي من الأنبياء بل ولا ينبغي أن يقال لأي حكم يتحاكم إليه لأنك إذا تحاكمت إلى رجل مع خصمك فإنكما تعتقدان ما يقوله هو الحق ليس الحكم في مقام تهمة حتى يقال : (( احكم بيننا بالحق )) ولهذا انتقض الصحابة رضي الله عنهم في قصة العسيف .....الذي زنا بامرأة من أستأجره لما حضر ولد الزاني وزوج المرأة قال أحدهما للرسول عليه الصلاة والسلام : أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فناشد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي بينهما بكتاب الله ، قالوا : وقال الآخر وكان أفقه منه : نعم فاقضي بيننا بكتاب الله ولا ناشد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه طلب المناشدة في هذا المقام إيش ؟ خطأ وسفه أنت ما جئت إليه إلا وترى أنه يحكم بكتاب الله فلا حاجة إلى أن تناشده. هؤلاء قالوا : احكم بيننا بالحق طلبوا منه أن يحكم بينهما بالحق وهو لا يحكم بينهما إلا به حتى بإقرارهما لأنهما جعلاه حكماً (( ولا تشطط )) الشطط يعني النقص أو الجور ولهذا قال في تفسيره : " تجر " يعني لا تجر بالحكم فتميل مع أحدنا. (( واهدنا )) أرشدنا (( إلى سواء الصراط )) وسط الطريق الصواب يعني إذا حكمت فاحكم بالعدل بدون جور (( واهدنا إلى سواء الصراط )) يعني دلنا إلى الصراط السواء يعني إلى وسط الصراط أو إلى الصراط المستقيم وعليه فتكون (( سواء )) من باب إضافة الصفة إلى موصوفها. يعني اهدنا إلى الطريق السوي العدل. والهداية هنا هداية دلالة ولا إرشاد ؟ دلالة لأنه ما يستطيع أن يجبرهم على ما يحكم به لكن هي دلالة فلو قال المؤلف في (( اهدنا )) وقال : " دلنا " لكان أحسن.