تتمة تفسير قول الله تعالى : (( وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه ... )) . حفظ
كثير من الشركاء يبغي بعضهم على بعض ولهذا إذا أصلح الشركاء النية ونصح بعضهم لبعض فإن الله تعالى يقول:( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما ).
قال)) : ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) (( إلا (( أداة استثناء وما بعدها في محل نصب لأن الجملة السابقة كلام تام موجب وإذا سبق الاستثناء كلام تام موجب وجب النصب. قال ابن مالك : ما استثنت إلا مع تمام ينتصب وبعد نفي أو كان اتبعه ما اتصل
وانصب من قطع وعن تمام فيه إبدال وقع
المهم لتمام الفائدة إذا جاءت إلا بعد كلام تام موجب وجب نصب ما بعدها هذا الاستثناء ، وإذا جاءت بعد كلام تام منفي تام يعني مستكمل الفاعلة لكنه منفي جاز فيما بعدها وجهان : النصب على الاستثناء وإتباع ما بعدها لما قبلها في الإعراب ، إلا إذا كان الاستثناء منقطعاً أي أن ما بعد إلا ليس من جنس ما قبلها فيجب النصب. و إذا وقعت إلا بعد كلام منفي ناقص كانت بحسب العوامل التي قبلها إن كان العامل يقتضي رفعاً رفع ، إن كان يقتضي نصباً نصب ، إن كان يقتضي جراً جر . ونضرب لذلك أمثلة قام القوم إلا زيداً أو إلا زيد ؟ إلا زيداً بالنصب لماذا ؟ لأن الكلام تام موجب قام القوم تم الكلام ما فيه نفي موجب فتكون إلا زيداً. وإذا قلت : ما قام القوم إلا زيداً جاز في ذلك وجهان الرفع على البدل والنصب على الاستثناء فيجوز أن تقول : ما قام إلا زيدٌ ، ما قام القوم إلا زيداً ، ما قام القوم إلا بعيراً هنا يتعين النصب لأن البعير ليست من القوم ، نعم من قطع فالاستثناء منقطع فيجب النصب هنا لتعذر البدلية وعلى هذا يعني فإذا قال قائل : ما قام القوم إلا بعير قلنا : هذا خطأ لأن الاستثناء منقطع فيجب النصب. و إذا قلت : ما قام إلا زيد أو إلا زيداً ؟ زيدٌ بالرفع لماذا ؟ لأن ما قبلها ناقص منفي ، ناقص لأن الفعل لم يستكمل فاعله منفي ما قام ، فيجب أن تقول : ما قام إلا زيد طيب. ما رأيت أحداً إلا زيداً أو إلا زيدٌ أو يجوز الوجهان ؟ هذا تام منفي ما رأيت أحداً إلا زيداً يجوز الوجهان الرفع والنصب خطأ ، هذا منصوب على كل حال ويجوز الوجهان لكنه منصوب لأنك إن جعلته مستثنى فهو منصوب وإن جعلته بدلاً فهو منصوب إذاً يجوز الوجهان إعراباً أما شكلاً فلا يجوز إلا شكل واحد فهو النصب لأنك حتى إن جعلتها بدلاً ستكون منصوبة طيب. هنا ))
إلا الذين آمنوا (( ينطبق على أي القواعد ما هي ؟ تام موجب كالذين إذاً في محل نصب. )) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ((آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم والعمل يطلق على القول والفعل بخلاف الفعل فإنه يطلق على فعل الجوارح والقول على قول اللسان ، وقوله ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) (( الصالحات)) هذه صفة لموصوف محذوف أي عملوا الأعمال الصالحات وجمعها باعتبار أنواع الصالحات صلاة صدقة صيام حج بر صلة أنواع كثير فلهذا جمعت ، أحياناً يقول(( عمل صالحاً))فيفرد باعتبار جنس العمل على سبيل العموم ، طيب الأعمال الصالحات قال أهل العلم : " الأعمال الصالحة ما جمعت شرطين وهما : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صلاح مع شرك ولا صلاح مع بدعة " ، فالعمل الصالح ما جمع شرطين هما إيش ؟ الإخلاص لله ، و المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد)) و على هذا لو سألك سائل عن رجل صلى رياءً هل عمله صالح ؟ لا ما الذي انتفي منه ؟ الإخلاص ، ولو سألك سائل عن رجل تعبد لله بما لم يشأه الله ولكنه مخلص لله بنية التقرب إليه لا يريد شيئاً من الدنيا فهل عمله صالح ؟ لا لماذا ؟ نعم لعدم المتابعة ، وقد على بطلان ما فيه الشرك آيات من القرآن متعددة و أحاديث من السنة متعددة مثل قوله صلى الله عليه و سلم عن الله تعالى في الحديث القدسي أنه قال )أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ( . و دل أيضاً على اشتراط المتابعة آيات أيضاً و أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم )من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد( أي مردود عليه .قال الله تعالى عن داود : (( وقليل ما هم )) إعرابها أن نقول : (( قليل )) خبر مقدم و (( هم )) مبتدأ مؤخر يعني وهم قليل ، و (( ما )) في قوله : (( وقليل ما )) زائدة لفظاً زائدة معنى لأن المقصود بها تأكيد القلة أي قلة قليلة من المؤمنين العاملين الصالحات ، وإذا تدبرنا الواقع وجدنا الآية منطبقة تماماً عليه فإن الله تعالى يقول يوم القيامة : (يا آدم فيقول : لبيك وسعديك فيقول : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار فيقول : يارب وما بعث النار . قال : من كل ألف تسع مائة و تسعة وتسعون) . هؤلاء كلهم في النار وواحد في الجنة إذاً القلة قليلة ولا لا ؟ قلة قليلة، واحد من الألف قليل جداً ، قال ابن القيم في النونية : " يا سلعة الرحمن ليس ينالها بالألف إلا واحد لا اثنان ". طيب إذاً نقول : إن (( الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) من بني آدم قليلون جداً يؤكد القلة قوله : (( ما )) في (( وقليل ما هم )) .