التعليق على تفسير الجلالين : (( مئاب ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض )) تدبر أمر الناس (( فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى )) أي هوى النفس (( فيضلك عن سبيل الله )) أي عن الدلائل الدالة على توحيده . حفظ
قال المؤلف رحمه الله : (( خليفة في الأرض )) " تدبر أمر الناس " كما يدبر الخلفاء أمر من جعلهم الله راعين له.
(( فاحكم بين الناس بالحق )) الفاء هذه كما قلت للتفريق على إيش ؟ على جعله خليفة (( احكم بين الناس بالحق )) (( بالحق )) أي بالعدل لأن الحق إن كان في مقابلة الخبر فهو بمعنى الصدق و إن كان في مقابلة الحكم فهو بمعنى العدل فإذا قيل : أخبرني محمد بكذا و هو حق يعني صدق وإذا قلت : حكم فلان بكذا و هو حق يعني عدلاً ، هنا يقول : (( احكم بين الناس بالحق )) أي بالعدل لأن الحق هنا وصف به الحكم فصار بمعنى العدل (( فاحكم بين الناس بالحق )) أي بالعدل. و هذا يتضمن الحكم و طريق الحكم و لوازمه. فالحكم بأن تحكم بالشرع و طريقه طريق الحكم أن تعدل بين الخصمين في كل شيء حتى إن العلماء يقولون : يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لفظه و لحظه و كلامه أي نعم و جلوسهما و دخولهما عليه في كل شيء ففي لفظه لا يغلظ القول لأحد الخصمين و يلين القول للآخر، و في لحظه لا ينظر لأحد الخصمين نظرة الغضب و إلى الثاني نظرة رضا ، مجلسه لا يجلس أحد الخصمين إلى جانبه و الثاني بعيداً عنه ، دخولهما عليه لا يقل لأحدهما قبل الآخر حتى و لو كان كافراً فإنه لا يقدم المسلم عليه في الدخول و إن كان بعض العلماء قال : إذا كان أحدهما كافراً فإنه يقدم المسلم عليه في الدخول لكن المقام مقام حكم فالواجب فيه العدل وهذا كفره عليه و هذا إسلامه له هذا إذا كان الدخول يحتاج إلى تقديم و تأخير. أما إذا كان الباب مفتوحاً فإنه لا يلزمه أن يجعل عند الباب رجلاً يقول : ادخلا جميعاً يجعل الأمر موكولاً إلى الخصوم من جاء فليدخل دخل قبل الثاني أو بعده لكن إذا كان هناك ترتيب في الدخول فلا يقدم أحد على الآخر هذا طريق الحكم. أما الحكم فإذا علم أن الحق مع أحدهما وجب عليه أن يحكم به له مهما كان سواء كان عدواً أو صديقاً (( فاحكم بين الناس بالحق )) الناس أصلها الأناس لكنها حذفت الهمزة تخفيفاً كما حذفت من شر و خير قال الله تعالى : (( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ )) أي ما هو أشر من ذلك.
ثم قال : (( ولا تتبع الهوى )) (( الهوى )) هوى النفس و إنما نهاه عن اتباع الهوى تعظيماً لهذا الأمر و لا يلزم من نهيه عنه أن يكون ممكناً في حقه ، كما قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه و سلم : (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) و لا يلزم من هذا أن يكون الإشراك في حقه ممكنا. و قد يقال إن الله نهاه عن اتباع الهوى لقوة الهوى في البشر فإن الهوى في البشر أمر مفطور عليه البشر لأنه يندر أن شخصاً يتقدم إليه أبوه مع شخصاً آخر عدو له يندر أن يكون له هوى أو يتقدم إليه شخص من أصدقائه الحميمين و آخر من أعدائه الألداء ثم لا يميل مع الأول يندر هذا فلقوة الداعي و هو الهوى نهى الله عنه وإن كان لا يمكن في حقه.
و قوله : (( ولا تتبع الهوى )) أي هوى النفس (( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )) (( فيضلك )) فالفعل هنا مضارع و لكنه منصوب. فلماذا كان منصوباً ؟ لأنه وقع بعد النهي و المضارع إذا اقترنت به الفاء بعد النهي صار منصوباً بأن مضمرة وجوباً. و قوله : (( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )) أي يجعلك تضل وتحيد يميناً وشمالاً. و قوله : (( عن سبيل الله )) قال المؤلف : " أي عن الدلائل الدالة على توحيده " هذا ضعيف جداً هذا التفسير بل المراد بـ (( سبيل الله )) طريقه الموصل إليه لأن السبيل في الأصل هو الطريق وأضيف إلى الله لأن الله هو الذي وضعه و هو الذي شرعه و لأن هذا السبيل يؤدي إلى من ؟ يؤدي إلى الله فأضيف إلى الله باعتبار وضعه و باعتبار نهايته. و إذا قلنا بما ذكرت : أن المراد (( عن سبيل الله )) أي عن طريقته و شريعته صار أعم مما قال المؤلف و ألصق باللفظ لأن السبيل في اللغة معروف أنه الطريق و ليس الدلائل الدالة على التوحيد و لكن الدلالة الدالة على التوحيد لا شك أن النظر فيها من شريعة الله (( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )).