فوائد قول الله تعالى : (( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )) . حفظ
((فاحكم بين الناس))إلى آخره من الفوائد : إثبات الكلام لله عز و جل و أنه بحرف و صوت و ذلك من قوله : (( يا داود إنا جعلناك )) فإن هذه الجملة مركبة من حروف لأن هذه الجملة فلا بد أن تكون بصوت لأنه يخاطب بها داود و لابد أن يكون المخاطب سامعاً ولا سماع إلا بصوت فيؤخذ منه الرد على الأشاعرة و غيرهم ممن قالوا : إن الله سبحانه و تعالى يتكلم بأن كلامه هو المعنى النفس القائم بذاته الملازم له دائماً و أبداً .
و من فوائد الآية الكريمة : أن الأمر أمر الله هو الذي ينصب من شاء و يعزل من شاء .
و منها : أنه لا مانع من أن يقول القائل للسلطان له السلطة العليا في الأرض أن يقول له : إنه خليفة الله. و لا يعني ذلك أن الله سبحانه و تعالى محتاج إلى أن يستخلف أحداً ليقوم عنه بتدبير الخلق و لكنه خلفه أي جعله حاكماً بين الناس بما شرع الله سبحانه و تعالى .
و من فوائد الآية الكريمة : وجوب الحكم بين الناس بالحق لقوله : (( فاحكم بين الناس بالحق )) .
و يتفرع على هذه الفائدة أن منصب القضاء فرض كفاية كما قال ذلك أهل العلم و إذا لم يوجد إلا الشخص المعين المؤهل فإنه يكون في حقه فرض عين .
و من فوائد الآية الكريمة : أنه لا ينبغي للشخص إذا وكل إليه تولي القضاء أن يفر منه ما دام يعرف من نفسه الكفاءة . و ذلك لأنه إذا فر منه وفر الثاني منه و الثالث و الرابع تعطل هذا المنصب العظيم الذي هو منصب الرسل. و لكن إذا أتى الإنسان هذا الشيء بدون سؤال فليستعن بالله فإن الله يعينه على هذا ، تعال هنا يا هداية أكمل الأول فالأول بارك الله فيك ، نعم .
و من فوائد الآية الكريمة : أنه يجب أن يحكم بين الناس بالحق سواء كان ذلك في طريق الحكم أو في نفس الحكم. ففي طريق الحكم يجب أن يعدل بين الناس في كل شيء ، حتى قال أهل العلم : " يجب أن يعدل بين الخصمين في لفظه و لحظه و مجلسه و دخولهما عليه فلا يقدم أحد في ذلك على أحد " ، تقدموا أنتم ، ما في مكان . أما في الحكم فأن يحكم بينهم بمقتضى الشريعة و ما تقتضيه الشريعة فهو العدل بلا شك . إذاً بالحق يشمل الحكم و طريق الحكم ، أما طريق الحكم فهو معاملة الخصمين بحيث تكون المعاملة بينهما على وجه العدل و أما في الحكم فإن يحكم بما تقتضيه الشريعة و ما تقتضيه الشريعة فلا شك أنه الحق .
و من فوائد هذه الآية : أنه لا يجوز للقاضي الحاكم بين الناس أن يحابي أحداً لقرابة أو صداقة أو غنى أو فقر أو جاه أو غير ذلك لقوله : (( بالحق )) و يؤيد هذا قوله : (( ولا تتبع الهوى )). و يستفاد من هذا الآية أنه في المقام الهام ينبغي أن يذكر الإثبات المطلوب و يذكر النفي المطلوب و ذلك من أجل إتمام الإثبات المطلوب. كأنه قال : احكم بالحق حكماً لا يدخله الهوى و هذه فائدة واضحة يعني الشيء المهم إذا ذكرت الصفاة المطلوبة فينبغي أيضاً أن تذكر الصفات التي لا تطلب من أجل أن تكون الصفات المطلوبة مجردة عن الصفات غير المطلوبة لأن من الكمال إثبات الكمال و نفي ضده فمثلاً : (( احكم بين الناس بالحق )) هذا إيش ؟ إثبات كمال ، (( ولا تتبع الهوى )) نفي ضده. و إنما يؤتى بنفي الضد من أجل أن يتبين أن المطلوب ينبغي أن يكون مجرداً عن كل ما ينافيه .
و من فوائد الآية الكريمة : أن اتباع الهوى سبب للإضلال عن سبيل الله لقوله : (( فيضلك عن سبيل الله )). و لكن هل الإضلال في نفس المخالفة أو أن المخالفة نفسها ضلال و تكون سبباً لإضلال آخر ؟ الجواب الثاني فإن الهوى يجلب للإنسان الضلال كما أنه هو نفسه ضلال. فإذا اتبعت الهوى في قضية ما فانتظر اتباع الهوى في القضية التي تليها لأن المعصية قبل أن يقع فيها الإنسان يجد نفسه تستوحش منها و تنفر فإذا فعلها مرة هانت عليه انكسر الحجاب فإذا هانت عليه أول مرة هانت عليه المرة الثانية ثم الثالثة حتى تصبح و كأنها لا شيء و لهذا يضرب العامة مثلاً له فائدة يقولون : بكثرة الإمساس يقل الإحساس. يعني إذا أكثر الإنسان من مماسة الشيء قل إحساسه به. الحاصل أن اتباع الهوى انتبه ضلال بنفسه ، كمل وسبب للضلال و وجه ذلك أن المعصية تنفر منها النفس فإذا فعلتها مرة نعم هانت عليه ثم الثانية أهون و الثالثة أهون و الرابعة أهون حتى تصبح المعصية و كأنها ليست بمعصية و لهذا قال : (( فيضلك عن سبيل الله )). فتجد قاضياً مثلاً لا يمكن أن يحكم بالحيف و الجور و تجده ينافر من ذلك فإذا حكم مرة هان عليه .... الثانية و هان عليه و الثالثة و الرابعة و هكذا و لهذا قال : (( و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله )) و يمكن أن يقال : إن هذا لا يختص بالحكم بين الناس أي أن اتباع الهوى سبب للضلال عن سبيل الله في كل شيء حتى في غير الحكم حتى في المعاصي الخاصة التي في نفسك إذا اتبعت هواك فيها فاعلم أن هذا سبب للإضلال عن سبيل الله. فعليك أن تتوقى المعاصي فإنها كلها شر .
و من فوائد الآية الكريمة : أن دين الله تعالى واحد لا يتشعب لقوله : (( عن سبيل الله )) فأفردها و يدل لهذا قوله تعالى : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )). فسبيل الله واحدة و لكن ما خالفها فهو المتشتت هذا سببه الهوى ، و هذا سببه خشية الناس و هذا سبيه كذا ، و هذا سبيه كذا فتتفرع السبل .
و من فوائد الآية الكريمة : الثناء العظيم على شريعة الله و ذلك بإضافتها إلى الله لأن كلما أضيف إلى الله فإنه إذا كانت الإضافة خاصة فإن الإضافة تدل على شرفه .
و من فوائد الآية الكريمة : أن الضالين عن سبيل الله متوعدون بهذا الوعيد (( لهم عذاب شديد )) أي قوي. و يتفرع على هذه الفائدة : الحذر من الضلال عن سبيل الله .
و من فوائد الآية الكريمة : أن من أسباب الضلال على سبيل الله نسيان يوم الحساب و الغفلة عنه و الانغماس في الدنيا حتى تنسي الإنسان ما خلق له وما هو مقبل عليه و لهذا قال : (( بما نسوا يوم الحساب )) أي غفلوا عنه ليس المراد النسيان الذنوب التي يعفا عنه بل المراد بالنسيان الترك الذي هو الغفلة و عدم المبالاة به .
و من فوائد الآية الكريمة : الحذر من الانغماس في الدنيا الذي يوجد نسيان يوم الحساب. و من ثم حرم الشرع كل لهو يلهو به الإنسان و قال : كل لهو يلهو به الإنسان فهو باطل إلا ما استثنى يعني باطل ليس فيه خير ثم قد يكون محرماً و قد يكون ضياعاً للوقت بدون تحريم لكن كل اللهو يصد عن سبيل الله وينسي يوم الحساب و لذلك تجد أقل الناس إيماناً بيوم الحساب أكثرهم ممارسة للملاهي...