التعليق على تفسير الجلالين : (( فقال إنى أحببت )) أي أردت (( حب الخير )) أي الخيل (( عن ذكر ربي )) أي صلاة العصر (( حتى توارت )) أي الشمس (( بالحجاب )) أي استترت بما يحجبها عن الأبصار . حفظ
يقول : (( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي )). قال : (( أحببت )) أي أردت (( حب الخير )) يعني محبته محبة الخير ، و الخير يطلق على المال عموماً كما في قوله تعالى : (( إن الإنسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد )) أي بحب المال و الدليل على أن الخير هو المال قوله تعالى : (( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ )) فقوله : (( حب الخير )) يعني حب المال وتفسير المؤلف رحمه الله لهذا الخير بالخيل أخص من دلالة اللفظ و قد مر علينا أنه لا يجوز أن يفسر اللفظ الأعم بالمعنى الأخص لأن هذا قصور في التفسير لكن قد يكون عذر المؤلف أن السياق في الخيل فيكون حمله لهذا العام على الخاص بقرينة السياق و هنا إشكال و هو قوله : (( أحببت حب الخير )) هل الحب يحب ؟ يعني لو قال قائل : لماذا لم تكن الآية إني أحببت الخير ؟ كما قال تعالى : (( وإنه لحب الخير لشديد )) المؤلف رحمه الله أول المحبة التي جاءت بلفظ الفعل بالإرادة فقال : (( أحببت )) " أي أردت حب الخير " لكنه رحمه الله و إن تخلص من تضار اللفظ لم يتخلص من فساد المعنى لأنه إذا قال : " أردت حب الخير " فالمراد قد يحصل و قد لا يحصل ، مع أن حبه حاصل. و لكن الجواب على هذا نقول : إن أحببت الأولى على بابها و أحببت الثانية على بابها من باب التوكيد كأنه أحب حب الخير فضلاً عن الخير و من أحب حب الشيء لزم أن يكون محباً للشيء كما لو قلت : أنا أحب أن أحب فلاناً ، مثلاً ، أنا أحب أن أحب قراءة الكاتب الفلاني ، فيكون هذا من باب إيش ؟ من باب التوكيد ، كأنه كرر المحبة مرتين و بهذا نتخلص من الإيراد الذي يرد على تفسير المؤلف رحمه الله. و قوله : (( عن ذكر ربي )) قال المؤلف : " أي صلاة العصر " و هذا أيضاً فيه تفسير للعام بما هو أخص و هو قصور في التفسير و ذلك لأن الذكر أعم من الصلاة فكل صلاة ذكر و ليس كل ذكر صلاة صحيح هذا ؟ كل صلاة ذكر و ليس كل ذكر صلاة ، صحيح؟ أي نعم ، إذاً إذا فسرنا الذكر بالصلاة فقد فسرنا الأعم بالأخص و هذا قصور و لكن ربما يعتذر عن المؤلف بإيش ؟ بالسياق و لكن هذا العذر لا يقبل لأنه من الذي يقول : إن سليمان أراد بذكر ربه صلاة العصر ؟ إذ قد يكون أنه أراد ذكر الله في المساء لأن المساء له أذكار معينة و تكون صلاة العصر داخلة في هذا الذكر و هذا هو الصحيح ، الصحيح أن المراد بالذكر في قوله : (( عن ذكر ربي )) إيش ؟ عموم الذكر الذي يدخل فيه صلاة العصر . طيب و قوله : (( عن ذكر ربي )) يشمل التذكر الذي هو ذكر القلب و يشمل القول الذي هو ذكر اللسان و يشمل الفعل الذي هو أفعال الجوارح إذا أدخلنا صلاة العصر في هذا لأن صلاة العصر تشتمل على أنواع الذكر الثلاثة ، الصلاة تشتمل على أنواع الذكر الثلاثة ، فيها تذكر القلب و تذكر اللسان و تذكر الجوارح. و قوله : (( عن ذكر ربي )) في إضافة الربوبية إلى الله استعطاف من سليمان لله عز وجل حيث أذعن له بالربوبية التي تقتضي أن يكون مشغولاً بذكره سبحانه وتعالى. و قوله : (( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي )) استشكل بعض العلماء تعدي الفعل بعن ، أحببته عن ذكر ربي كيف ؟ فقيل : إن عن معناها من ، يعني البدلية ، يعني بدلاً عن ذكر ربي ، و قال بعض العلماء : إن أحببت مضمناً معنى آثرت حب الخير عن ذكر ربي ، و مر علينا فيما سبق ، أنه إذا جيء بمتعلق لا يناسب المتعلق ظاهراً فإن لعلماء النحو في ذلك قولين :
القول الأول : تضمين المتعلق معنى يناسب المتعلق .
و الثاني : أن يضمن الحرف الذي لا يناسب المتعلق حرفاً يناسب المتعلق.
و ذكرنا أن الأولى أن يكون التجوز بإيش ؟ بالفعل.
طيب و قوله : (( حتى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ )) (( حتى توارت )) قال المؤلف : " أي الشمس " (( بالحجاب )) أي استترت بما يحجبها عن الأبصار ، نعم (( توارت بالحجاب )) تورات إذا قال قائل : الضمير مستتر و الشمس لم يسبق لها ذكر فلماذا لا يقال : (( حتى توارت )) أي الخيل بالحجاب يعني أنها أبعدت حتى استترت عنه ؟ و كأنه شغل بالنظر وهي تتطارد و تتسابق حتى و صلت إلى مسافة بعيدة بحيث غابت عنه نقول : لا شك أن هذا المعنى محتمل في الآية ، نقول : (( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ )) أي هذه الخيول فأبعدت و استترت و لكن وردت أحاديث تؤيد ما ذهب إليه المؤلف من أن الذي توارت هي الشمس (( بالحجاب )) أي بما يحجبها عن الأبصار ، فما هو هذا الحجاب ؟ الحجاب هو الأرض الحجاب الذي يحجب الشمس إذا غابت هو الأرض ، كما قال الله تعالى عن ذي القرنين : (( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ )) يعني في البحر. إذاً فالذي يسترها إذا غابت هي الأرض و هذا لأن الأرض كروية الشكل فإذا دارت الشمس عليها و وصلت إلى الجانب المنحني فلا بد أن تغيب و هكذا تغيب عن كل قوم شيئاً فشيئاً حتى تطلع على من غابت عنه أولاً .