تفسير قول الله تعالى : (( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب )) . حفظ
يقول : ))فتنا سليمان(( ابتليناه بسلب ملكه هذا بدأ المؤلف بالقصة الإسرائيلية بسلب ملكه و ذلك لتزوجه بامرأة هواها و كانت تعبد الصنم. نسأل الله العافية يعني جعلوا داوود و سليمان كلهم كلاهما عشيقان ليس لهما هم إلا النساء: فداوود كما مر علينا أنه أراد أن يتزوج امرأة شخص و كان عند داوود تسع و تسعون امرأة فأراد أن يكمل المائة، و أما سليمان فيقول : أنه هوى امرأة تقول هذه القصة الكاذبة أنه هوى امرأة و عشقها و كانت تعبد الصنم في داره من غير علمه إذن صارت الدار دار كفر و شرك بدون علم. و هذا نقطع بأنه كذب لأنه لو كانت هذه كافرة لبين الله ذلك كما بين ذلك في امرأتي نوح و لوط. قال" و كان ملكه في خاتمه فنزعه عند إرادة الخلاء و وضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها". هذه القصة ملكه في خاتمه فإذا أراد دخول الخلاء نزعة و ما أدري ما السبب في نزعه اسم سليمان ليس فيه لفظ جلالة ليس فيه اسم من أسماء الله حتى يقول قائل تحرز أن يدخل بشيء فيه ذكر الله و أيضا يضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته. هذا أيضا يدل على كذب القصة أولا كيف يكون ملك في الخاتم فقط و ثانيا إذا كان ملكه في خاتمه فهل يمكن أن يفرط فيه هذا التفريط و يلقيه عند امراة؟ قد يقول قائل أنها أمينة و لكن نقول ما هو الدليل على هذا؟ فجاءها جني في صورة سليمان فأخذ الخاتم منها فلما أخذ الخاتم صار سليمان لأن الملك يتبع هذا الخاتم. قال الله تعالى : (( وألقينا على كرسيه جسدا )) و ذلك الجني و هو صخر أو غيره يعني اسمه جلس على كرسي سليمان و عكفت عليه الطير و غيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه و قال للناس أنا سليمان فأنكره مسكين. لما جاء وجد هذا الجني المسمى بصخر أو غيره على الكرسي فجعل يقول للناس أنا سليمان يقولون لا لست سليمان ارجع ورا لأن سليمان هو الجالس على كرسي الملك أما أنت فلست بسليمان. فتكون حسرته شديدة ثم أناب. و الواقع أن هذه مسألة ألقينا على كرسيه جسدا بعض العلماء يقول إنه شيطان لكن بقطع النظر عن كون الملك في الخاتم و أنه أعطاه امرأته و أن الجني جاءها فأخذه منها. يقول أن الله تعالى ألقى على كرسيه جسدا يعني في غيبة سليمان لأن سليمان ليس دائما على الكرسي لكن الله سبحانه وتعالى سلط عليه شيطانا جلس على الكرسي و جعل يدبر الدولة و سليمان لما جاء إلى مكان جلوسه وجده مشغولا بهذا العفريت و عجز عن إنزاله عن الكرسي و عن تولي تدبير شئون الدولة. فعرف أنه مفتون و أن الله سلط عليه هذا الشيطان ليختبره سبحانه وتعالى. هذا قول لبعض العلماء و قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه شيطان و لكن ابن عباس كما هو معلوم كان أخذ عن بني إسرائيل كثيرا و ربما يكون هذا مما أخذه. المهم هذا قول المؤلف والمؤلف يرى أن هذا حدث بسبب أن الملك في الخاتم و أن هذا الجني أخذه من المرأة المؤتمنة و جلس على الكرسي و قال أنا سليمان. هذه واحدة . الثانية أن الله سلط شيطان بدون أخذ الخاتم و بدون التسلط بالجني سلط شيطانا فجلس على الكرسي و صار يدبر شئون الدولة و انتهب السلطان من سليمان لأن سليمان ليس دائما على الكرسي. القول الثالث أن الجسد هو شق الولد الذي اختبر الله به سليمان حين قال" لأطوفن الليلة عل تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلام يقاتل في سبيل الله "حلف أن يطوف يعني يجامع تسعين امرأة وأن كل امرأة تلد غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له الملك قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله اعتمادا على ما في نفسه على العزم على تنفيذ ما أراد. فنفذ ما أراد وجامع تسعين امرأة لكن ما أراده الله لم يتمكن منه و هو أن تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله فولدت منهن شق إنسان نصف إنسان لأجل أن يعرف سليمان و غير سليمان أن الأمر بيد الله و أنه لا يجوز أن يتألى أحد على ربه سبحانه وتعالى. يقول أحد المفسرين أن هذا الولد هو الجسد لأن هذا الولد ليس كامل التكوين نصف إنسان كيف يدبر هذا الذي ألقي على الكرسي ففتن به سليمان. القول الرابع أن قوله : ((فألقينا على كرسيه جسدا)) يعني به سليمان نفسه فتنا سليمان اختبرناه ألقينا على كرسيه جسدا يعني ألقيناه هو على الكرسي جسدا و الجسد هو الذي لا يدبر و ليس عنده تفكير يعني أن الله سلب من سليمان تفكيره الذي يدبر به شئون مملكته فصار لا يحسن التدبير و من لا يحسن التدبير كالجسد بلا روح فيكون المراد بالجسد سليمان نفسه و يكون كأن الكلام و ألقيناه جسدا على كرسيه لا يحسن التدبير و هذا أيضا قريب أن الله سبحانه و تعالى يسلب على الإنسان عقله و تدبيره حتى يكون جسدا بلا روح. و من المعلوم أن مملكة عظيمة كمملكة سليمان إذا فقد منها المدبر سوف تتخلخل و تتزعزع فهذه أربعة أقوال في معنى قوله ((وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب)). أما ما ذكره المؤلف فهو باطل بلا شك. و أما ما ذكر بأنه الولد الشق فالظاهر أنه ضعيف. بقي عندنا قولان أحدها أنه شيطان سلط على كرسي سليمان فبقي فيه و صار يدبر شئون المملكة. و الثاني أنه سليمان نفسه سلب الله منه التفكير و تدبير شئون المملكة فصار لا يحسن التدبير هذان قولان محتملان أقربهما اللفظ الأول أي أنه شيطان ألقي على الكرسي لأن جسدا هذه نكرة تقتضي أن يكون الملقى غير الملقى على كرسيه و لكن الثاني أقرب من حيث المعنى يعني أن الله سبحانه وتعالى إذا سلب الإنسان عقله و تفكيره و سلطته فهو بمنزلة الجسد. على كل حال هذه الفتنة التي حصلت لسليمان بإلقاء الجسد على كرسيه سواء أكان هو نفسه أو شيطان جلس على الكرسي. لا شك أنها فتنة عظيمة و لا يتصورها أحد أن تمسه هذه الفتنة لأن ما نسمع من الفتن و المصائب و غيرها نسمعها على أنها تمر علينا مرورا ذهنيا و ليس هذا كالذي يباشر المصيبة أو القضية نفسها سليمان لما وصل به الأمر إلى هذا الحال أناب إلى الله لأن من طبيعة البشر إذا أصيب بمصيبة أن يحاسب نفسه. أما قبل أن يصاب فقد يغفل لكن إذا أصيب صار يحاسب نفسه و رجع إلى الله حتى المشركون إذا ركبوا في الفلك و أصابتهم الأمواج التي يضرب بعضها ببعض يلجئون إلى الله سبحانه وتعالى يدعونه مخلصين له الدين أن ينجيهم فمن طبيعة البشر أن يعود إلى القوة التي يمكنها أن تدفع عنه المصيبة التي نزلت به. و من خرج عن هذه الطبيعة فقد يخرج عن الطبيعة اناس كما قال الله تعالى : (( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )) قد يخرج ناس عن هذه الطبيعة الفطرية فتصيبه المصائب و النكبات و العذاب و لكن قلبه يكون قاسيا لا يتأثر نسأل الله العافية. نعم. قال ((ثم أناب)) رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه و جلس على كرسيه هذا من أبعد ما يكون تحريف لكلام الله عز وجل. ((ثم أناب)) أي رجع إلى ملكه المتعين أن المعنى أناب إلى الله يعني عرف أن هذا الذي نزل به لأمر حدث منه فرجع إلى الله و أناب إليه و أحسن التوبة و أصلح العمل.