فوائد قول الله تعالى : (( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب )) . حفظ
ثم قال عز وجل : ((قال رب اغفر لي وهب )) إلى آخره.
من فوائد هذه الآية أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معنيون أكثر بأمور الآخرة و لهذا طلب من الله المغفرة قبل أن يطلب الملك.
و من فوائدها أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محتاجون إلى مغفرة الله لقوله : (( قال رب اغفر لي )) .
و من فوائدها أنهم مربوبون و ليسوا أربابا لقوله (( رب اغفر لي )).
و من فوائدها جواز الذنوب على الأنبياء تؤخذ من قوله (( قال رب اغفر لي )). و وجه ذلك لأنه لولا أن يكون هناك ذنب لما استغفر.
و من فوائد الآية جواز طلب الإنسان الملك أن تسأل الله أن يملكك شيئا لقوله ((هب لي ملكا)) و لكن يشترط في هذا أن يكون لدى الإنسان استعداد للقيام بما سأل أما أن يقول رب هب لي ملكا و هو بنيته أن يضيعه فإن هذا لا يجوز. و قد اختلف أهل العلم في جواز سؤال الإمارة هل يجوز للإنسان أن يسأل الإمارة أو القضاء أو ما أشبهها من الولايات. فمنهم من قال إن ذلك جائز و منهم من قال أنه محرم و منهم من فصل. أما من قال أنه جائز فاستدلوا بقصة يوسف حيث قال لملك مصر ((اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) فسأل الولاية و شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه و استدلوا بحديث عثمان بن أبي العاص حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم اجعلني إمام قومي قال : ( أنت إمامهم ). و أما من منع ذلك فاستدلوا بحديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الإمارة وبين له السبب بأن من أعطيها عن مسألة وكل إليها ول م يعنه الله و من أتته بدون مسألة أعانه الله عليها. و استدلوا أيضا بأن رجل طلب من رسول الله أن يكون عاملا فقال : ( إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سأله ) و هذا يدل على أنه لا يسأل و أن من سأل فليس أهلا لأن يولى. و فصل آخرون فقالوا إن سألها لإصلاح ما فسد منها فإن ذلك جائز إذا علم من نفسه القدرة ، و إلا فلا يجوز لأن السلامة للإنسان أسلم و هذا القول التفصيلي هو الصحيح لأن به تجتمع الأدلة. فإن الإنسان مثلا إذا رأى ولاية قام عليها شخصا ليس أهلا لها إما في دينه أو أمانته و تصرفه و هو يعلم من نفسه القدرة على القيام بها على أحسن وجه أو على الأقل على وجه أحسن مما كانت عليه فلا بأس أن يسألها لأن غرضه بذلك غرض شخصي أو غرض عملي و إصلاحي . ما قصد الشخص أما إذا كان ليس هناك سبب أو كان الإنسان يعرف من نفسه أنه ضعيف لا يستطيع القيام بها فإنه لا يسأل ولا يجوز أن يسأل.
و من فوائد هذه الآية أن سليمان عليه الصلاة والسلام سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده أي ملكا لا يغلبه عليه أحد. و ليس المعنى لا يناله أحد من بعد موته هذا على أحد القولين و هو الذي مشى عليه المؤلف. و بناء عليه يحسن الجواب عما قيل إن قوله ((لا ينبغي لأحد من بعدي)) يدل على أن سليمان حسود بخيل و إلا فلماذا يتحجر واسعا و يريد أن يقصر الملك على نفسه. و القول الثاني أن المراد لا بنبعي لأحد اي من بعدي أن في الزمن المتأخرة كما ذكرنا في التفسير و قلنا إن هذا يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام حين تفلت عليه عفريت و هو يصلي و أراد أن يمسكه و أن يربطه بسارية المسجد يلعب به صبيان أهل المدينة قال : ( لولا أني ذكرت قول أخي سليمان هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي لفعلت ) فهذا يدل على أن المراد من بعدي زمنا. فيرجح أن يكون سليمان عليه الصلاة والسلام سأل ملكا عظيما لا يكون لأحد من بعده. و بناء على هذا القول يحصل الإشكال لماذا تحجر هذا الملك ؟ فكيف يجاب عليه ؟ قد نقول أن القول الأول أصح و أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك تورعا لأنه خاف أن يكون مراد سليمان لا ينبغي لأحد من بعدي زمنا ، فترك هذا من باب التورع. لكن هذا الجواب فيه أيضا بعض الشيء. لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا فسر الآية بشيء أو أتى بشيء يقتضي تفسيرها على وجه ما فإنه لا شك أولى من الاحتمال الآخر أن يكون المراد من بعدي أي سواي و الله أعلم يقول.
و من فوائد هذه الآية الكريمة الثناء على الله تعالى بأنه وهاب يعطي العطاء الكثير.
و من فوائدها التوسل إلى الله تعالى في الدعاء بالاسم المناسب لما يدعوا به لأن قوله إنك أنت الوهاب يناسب قوله هب لي و هذا هو أحد معاني قوله تعالى (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) يعني أحد معانيها أن تجعلها وسيلة لما تدعوا به. فإذا أردت أن تسأل المغفرة تقول يا غفور أو الرحمة يا رحيم و هكذا