فوائد قول الله تعالى : (( والشياطين كل بناء وغواص )) . حفظ
ثم قال تعالى : (( والشياطين كل بناء وغواص )) إلى آخره. في هذا أيضا بيان ما بسط الله لسليمان من السلطان حيث كانت الشياطين المؤذية لبني آدم مسخرة له على هذا الوجه العظيم و هذا التأصيل.
و من فوائد الآية حسن تدبير سليمان حيث وزع هذا الجند من الشياطين حسب ما يليق بهم فمنهم البناء و منهم الغواص.
و من فوائدها جواز تفخيم الأبنية و تكثيرها نعم لأن بناء صيغة مبالغة و بناء تبنيه الشياطين لابد أن يكون فخما محكما. و لكن هل يقال أن هذا كان في شريعة سليمان لأنه ملك يحتاج إلى أبهة و عظمة و إظهار قوة و إظهار غنى و إظهار سلطة و أما عامة الناس فلا و لهذا جاءت شريعتنا بذم من يجعل ماله في البناء ؟ و ربما يقال أنه يفرق بين الملك ذو السلطان و بين غيره لأن إظهار الملك السلطان نفسه بمظهر العظمة أمام أعداءه لا شك أن هذا أمر مطلوب. و يذكر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان أميرا على الشام في إمارة عمر بن الخطاب و كان معاوية إذا أتى الإنسان إليه يجد حجابا و حراسا و شيئا من الأبهة و إذا جاء إلى الخليفة الذي فوقه يجد أمرا بخلاف ذلك يجد رداءا مقطعا و إزارا مرقعا و شخصا ينام في المسجد يكوم كتلة من الرمل من الحصباء و يتوسدها و ليس بين يديه حاجب و لا حوله جنود فيتعجب كيف أمير هذا الرجل بهذه الأبهة و هذا الخليفة الذي فوقه بهذا الضعف و التواضع لكن أجاب العلماء عن ذلك بأن معاوية رضي الله عنه كان في بلاد الشام و كانوا لا يخضعون لسلاطينهم و أمراءهم إلا إذا كانوا أمامهم على وجه فيه أبهة و عظمة. فرأى معاوية رضي الله عنه أن من المناسب للحال أن يكرم نفسه غاية التكريم و ليس قصده أن يتعاظم و الدليل على هذا أنه لما أتاه كتاب عمر أظنه في كسوة عظم في قصة اليهودي الذي أدخل بيته في بيت المال بعد أن أعطي عن عوضا كثيرا فرأى أن ذلك ظلم فركب إلى عمر في المدينة يشكوا معاوية يقول إن معاوية غصبني و أخذ بيتي و أدخله في بيت المال يعني معناه يجعلون بيتا لبيت المال فكتب عمر إلى معاوية يأمره بأن يرد إليه بيته فلما جاءه الكتاب أخذه كما يقال معاوية و وضعه على رأسه تعظيما للكتاب و قال لليهودي الآن افعل ما تشاء تريد أن نعيد إليك بيتك و نبنيه بأحسن تريد أن تأخذ القيمة فلما رأى هذا الأمر انبهر كيف معاوية يفعل في كتاب عمر هذا الفعل فتشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و قال بيتي لبيت مال المسلمين لما رأى العدل انبهر. المهم أن نقول قد يكون سليمان عليه الصلاة والسلام أراد بهذا العمل أن يظهر قوة سلطانه و عظمته أمام أعدائه و أن يفصل بين ما يكون به غرض مقصود و ما ليس فيه غرض. فالإنسان العامي لا يشرع له أن يذهب ماله ببناء القصور و تفخيمها و بالسلطة الذي يريد أن يظهر سلطته ليكون مهيبا أمام الناس حتى يأتي منه الأمر لا حرج عليه في هذا .