التعليق على تفسير الجلالين : (( ووهبنا له أهله ومثلهم معهم )) أي أحيا الله له من مات من أولاده ورزقه مثلهم (( رحمة )) نعمة (( منا وذكرى )) عظة (( لأولي الألباب ))لأصحاب العقول . حفظ
ثم قال :)) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم (( . قال المؤلف : أي أحيا الله له من مات من أولاده و رزقه مثلهم فجعل المؤلف الهبة بمعنى الإحياء. و لكن في هذا نظر لأن الإحياء يحتاج إلى ثبوت الإماتة من قبل و ليس في الآية ما يدل على هذا. بل إن الله وهب له أهله حيث أووا إليه بعد أن شردوا منه. لأن الرجل بسبب المرض النفسي و ربما نقول النفسي و الحسي شرد منه أهله، عجزوا عن أن يعيشوا معه فشردوا. فلما عافاه الله أوى إليه أهله فتكون هذه الهبة إعادة ما سبق كما سمى عمر بن الخطاب إعادة قيام رمضان جماعة سماها بدعة مع أنها ليست بدعة في الواقع. هذه هبة مع أنها ليست هبة و لكن إعادة موهوب شرد. و أما القول بأنه أحياهم بعد إماتتهم فهذا يحتاج إلى ثبوت الإماتة من قبل. و لكن الصحيح أنه لم تثبت الإماتة و لا الإحياء و إنما هذه الهبة إعادة موهوب سبق لأنهم نفروا منه و شردوا عنه.
و قوله (( ومثلهم معهم )) هذا هو الذي نقول أن الله رزقه أولادا جددا لأن زوجته رجعت وحاله انصلحت وصار ينجب فبارك الله له في ولده. (( ومثلهم معهم رحمة نعمة منا وذكرى عظة لأولي الألباب )) قوله (( رحمة )) إن كان عائدا على الأهل و من وهب له من جديد فهي رحمة مخلوقة و الرحمة قد تطلق على المخلوق كما قال الله تعالى في الجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء. (. و على هذا فتفسير المؤلف للرحمة بالنعمة تفسير صحيح إذا جعلنا الرحمة هنا عائدة على الأولاد على الأهل و مثلهم معهم فإن تفسيره صحيح لأن الرحمة هنا مخلوقة. و إن أريد بالرحمة صفة الله عز وجل يعني أن هذا من رحمتنا أي ناشئ عن رحمة الله فالرحمة هنا غير مخلوقة لأن صفات الله سبحانه وتعالى غير مخلوقة. إذن كلام المؤلف لا يمكن أن يخطئ على الإطلاق حيث فسر الرحمة بالنعمة و معروف أن الأشاعرة يفسرون رحمة الله بالنعمة أو بالإحسان و لا يرون أن لله رحمة هي صفته. فكلام المؤلف لا ينتقد من كل وجه لاحتمال أن يكون المراد بالرحمة ما وهب الله له من الأهل و مثلهم معهم، يعني أنها يراد بها الموهوب و الموهوب لا شك أنه مخلوق. أما إذا أردنا رحمة من عندنا الرحمة التي هي صفة الله أي أن هذا ناشئ عن رحمتنا التي نحن متصفون بها و هو الرب عز وجل فإن تفسير المؤلف ليس بصحيح لأن الرحمة حينئذ تكون صفة من صفات الله ليست نعمة خلقا بائنا عن الله عز وجل.
و قوله (( رحمة )) نعربها مفعول لأجله و هذه علة سابقة العلل قسمان : علة غائية منتظرة و علة سابقة موجبة. فمثلا إذا غضب الإنسان و ضرب ولده الضرب هنا من الغضب العلة سابقة إذن علة موجبة. إذا سافر الإنسان ليتجر فهنا علة غائية لاحقة ما هي سابقة .الأولى علة باعثة موجبة الإيجاب في كل العلتين لكنها باعثة حاملة للإنسان و الثانية علة غائية لاحقة. طيب. (( رحمة منا )) يعني نفسه تبارك وتعالى و أتى بصيغة الجمع تعظيما لله. الغريب أن هذا الجمع من الألفاظ المتشابهة التي استدل بها النصارني على تعدد الآلهة لأن النصراني يقول إن الله ثالث ثلاثة ليس إله واحد فيقول عندي دليل (( خلقنا )) (( أنزلنا )) (( منا )) (( من لدنا )) (( عندنا)) : كل هذه تدل على الجمع فنقول له إن في قلبك لزيغا لأنك اتبعت المتشابه (( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه (( ما الذي أعمى بصيرتك عن قول الله تعالى : (( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (( هذا محكم. و الإتيان بصيغة الجمع للتعظيم أمر وارد في اللغة العربية حتى الناس بأنفسهم و هم بشر لا يستحقون من العظمة ما يستحقه الخالق يعبرون عن أنفسهم بصيغة الجمع تعظيما لأنفسهم. نعم. (( رحمة منا وذكرى عظة لأولي الألباب )) لأصحاب العقول رحمة منا هذه خاصة بأيوب وبأهله. (( وذكرى لأولي الألباب )) هذه عامة يتذكر بها أصحاب العقول بأي شيء يتذكرون هذه القصة ؟ يتذكرون في هذه القصة بأن المصائب تكون على الرسل و على غيرهم و بأن الشيطان قد يسلط على الرسول. يتذكرون بها بأن الإنسان إذا لجأ إلى ربه و دعا ربه فإن الله يجيبه. يتذكرون بها بأنه كلما اشتد الكرب فانتظر الفرج : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرى ). و قال الله تعالى: (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله)) . فقال الله تعالى )): ألا إن نصر الله قريب (( يعني قريب من هذه الحال التي وصلت بالرسل إلى أن يقولوا متى نصر الله يعني يطلبونه شوقا لا استبعادا و لكن شوقا إليه كأنهم يقولون يا رب عجل لنا بالنصر فقال الله تعالى)) : ألا إن نصر الله قريب (( . طيب. إذن ((ذكرى)) للعباد من أي ناحية ؟
" من أن البلاء يشمل الأنبياء.
"
ثانيا أن الشيطان قد يسلط على الأنبياء.
" ثالثا أن الله تعالى يجيب دعوة المضطرين إليه إذا صدق الإنسان في دعوته فالله تعالى يجب الدعوة نسأل الله أن يرزقنا الصدق معه.
"
رابعا أنه كلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج فهذا أيوب لما اشتد به الأمر ولجأ إلى الله أجاب الله تعالى دعاءه.
" خامسا أن زوال كرب النبي أيوب عليه الصلاة والسلام كان على يده لأن الله تعالى لم ينزل شفاء بدون سبب ظاهر، بل بسبب هو الذي يباشره كيف ؟
قيل له (( اضرب برجلك )) فخرج الدواء و قيل (( اغتسل )) فعالج نفسه. إذن هو الذي استخرج الدواء وباشر العلاج. فكان علاجه على يده باستخراج الدواء و بالعلاج و كيفية استعمال الدواء.