التعليق على تفسير الجلالين : (( هذا )) أي العذاب المفهوم مما بعده (( فليذوقوه حميم )) أي ماء حار محرق (( وغساق )) بالتخفيف والتشديد : ماء يسيل من صديد أهل النار (( وءاخر )) بالجمع والإفراد (( من شكله )) أي مثل المذكور من الحميم والغساق (( أزواج )) أصناف ، أي عذابهم من أنواع مختلفة . حفظ
هذا أي العذاب المفهوم مما بعده ((فليذوقوه)) و يجوز أن يكون ((هذا)) مبتدأ والخبر محذوف أي ((هذا)) ما لهم ((فليذوقوه)). و اللام في قوله فليذوقوه للأمر و الدليل على أنها لام الأمر و ليست لام التعليل أنها سكنت بعد الفاء ولام الأمر تسكن بعد الفاء و الواو وثم ((فليذوقوه)) أي فليكتتوا بحره و الاكتواء بحره هو ذوق. و ذوق كل شيء بحسبه في الطعام و الشراب يذوقه الإنسان بمذاق الفم و النار يذوقها بحرارتها في أي موضع من الجسم و البر كذلك يذوقه بلسعه في أي موضع من الجسم. فليذوقوه حميم أي ماء حار محرق و غساق بالتخفيف و التشديد يعني غسق هذا للتخفيف غساق هذا تشديد ما يسيل من صديد أهل النار نعوذ بالله. الآن نقول ((هذا)) مبتدأ و ((حميم وغساق)) خبر و معطوف عليه فعدلنا عما ذكرنا من قبل هذا ما لهم من العذب حيث قدم الخبر ما لهم من العذاب. و رأينا أن الأولى أن نجعل ((حميم)) خبر و ((غساق)) معطوف عليه و يكون جملة ((فليذوقوه)) معترضة بين المبتدأ و الخبر للمبادرة بإهانة. فإن قوله فليذوقوا العذاب لا شك أن إهانة فمن أجل المباردرة قدم هذا على الخبر أي قدم قوله فليذوقوه و أصل الكلام على الترتيب: هذا حميم وغساق فليذوقوه طيب. انظر للشراب حميم ماء حار وليست حرارته سهلة أو يسيرة (( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل )) الزيت ((يشوي الوجوه)) فأولا لا يأتيهم هذا الشراب بسهولة يأتيهم بعد أن يعطشوا عطشا شديدا ثم يستغيثوا يسألوا الله أن يغيثهم من هذا العطش. و إذا أغيثوا بهذا الماء ((كالمهل يشوي الوجوه)) إذا دنا من وجوههم ليشربوه شواها. قال العلماء تتساقط لحوم الوجه. ثم إذا شربوه في البطون وسقوا ماءا حميما فقطع أمعائهم فيقطع ظاهرهم و باطنهم والعياذ بالله. قارن بين هذا الشراب و بين شراب أهل الجنة أنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى و مع ذلك يشربون متى شاءوا. و أيضا يدبرون هذه الأنهار كما شاءوا بدون حفر سواقي و بدول كلا يعني لا يجعلون جدار يمنع الماء يسيل يمين وشمل لا يحتوون. قال ابن القيم في النونية :
"أنهارها في غير أخدود جرت سبحن ممسكها عن الفيضان "
طيب الغساق والعياذ بالله بمجرد ما تسمع معناه تشمئذ. صديد أهل النار الصديد الذي يجري من أجسادهم من احتراقها هذا أيضا نوع من شرابهم فصار شرابهم إما ماء حار يشوي الوجوه و يقطع الأمعاء و إما صديد أهل النار يتجرعه و لا يكاد يسيغه و يأتيه الموت من كل مكان و ما هو بميت و من ورائه عذاب غليظ.
قال الله عز وجل ((وآخر)) بالجمع و الإفراد ((آخر)) جمع و أخر جمع. طيب. فيها قرءتان إذا سبعيتان. من شكله أي من جنسه أي مثل المذكور من الحميم و الغساق أزواج أي أصناف أي عذابهم من أنواع مختلفة آخر من شكله من جنسه أو أخر من جنسه أصناف أزواج من العذاب يعذبون بها كما أراد الله عز وجل . و يهانون غاية الإهانة يقرعون و يوبخون ثم يمنون بالخروج. ترتفع بهم النار حتى إذا دنوا من أبوابها كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها. و هذا من شدة العذب يا إخوان. لو أن شخصا محبوس و كان يقرب من الباب يظن أنه سيخرج ثم يرد. هذا أشد عليه عذابا مما لو بقي في مكانه. فهو ينوع عليهم العذاب أنواع عظيمة لا تخطر بالبال و لا تدور في الخيال. اللهم نجنا من النار نعم. ((وآخر من شكله)) أزواج أي أصناف أي عذابهم من أنواع مختلفة.