فوائد قول الله تعالى : (( واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار * هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب * جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * هذا ما توعدون ليوم الحساب * إن هذا لرزقنا ما له من نفاد )) . حفظ
ثم قال تعالى : (( واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب )) إلى آخر. في هذا أيضا الثناء على إسماعيل و اليسع و ذا الكفل لأن الله أمر بذكرهم للثناء عليهم. و فيه فضيلة هؤلاء الرسل الثلاثة إسماعيل و اليسع و ذا الكفل. و فيه أيضا أن لله عبادا أخيارا منهم هؤلاء الثلاثة لقوله (( و كل من الأخيار )) .
و من فوائدها كالتي قبلها أن لله تعالى فضلا على بعض العباد يحرمه البعض الآخر حيث يجعل هؤلاء من المصطفين الأخيار والآخرين على العكس من ذلك.
ثم قال تعالى : (( هذا ذكر وإن للمتقين )) إلى آخره. من فوائد هذه الآيات أن القرآن الكريم ذكر يذكر به الله بتلاوته ذكر يتذكر به الإنسان معاده و معاشه ذكر يذكر به غيره وقد ذكرنا هذا في أول السورة .
و من فوائد هذه الآيات بشارة المتقين بأن لهم حسن المآب أي المرجع و على العكس من ذلك غير المتقين لهم سوء المآب. لأن الله إذا حكم للشيء بصفة من الصفات فإنه يحكم له بضده إذا انتفت هذه الصفة. فإن قال قائل : لماذا لا تقولون أنه إذا انتفت هذه الصفة و لم تثبت الصفة المضادة لماذا لا تجعلونه وسطا بين هذا و هذا فلا يستحق الثناء المثبت بالصفة و لا القدح الذي يكون بضدها ؟ فالجواب على ذلك أن نقول لا شك أن الأمور طرفان و وسط : الطرفان متضادان و الوسط بينهما. لكن قد دل الكتاب والسنة على أن التقوى و ضدها ليست طرفا و وسطا بل هما طرفان متقابلان كما قال الله تعالى : (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )). فإذا ثبت للمتقين حسن المآب فلغيرهم سوء المآب و لا نجعله هنا شيئا وسطا لأنه لا وساطة بين الإيمان والكفر والتقوى والفسوق.
و من فوائد هذه الآيات الحث على التقوى. و ذلك في ذكر ثوابها لأن الحث على الشيء يكون بالأمر به كما هو ظاهر و يكون بالوعيد على تركه ويكون بالثناء على فعله. المهم أن طرق الحث على الشيء متنوعة منها ذكر حسن المآب.
و من فوائد هذه الآيات إثبات الجنات لهؤلاء وأنها هي حسن المآب لقوله جنات عدن ولا شك أن أحسن معاد يؤوب إليه البشر هو الجنات. فإن فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكل إنسان مؤمن إنما يسعى للوصول إلى هذه الغاية العظيمة.
من فوائدها أن الجنات دار إقامة لقوله ((جنات عدن)) فالناس مقيمون فيها لا يرحلون عنها. مقيمون فيها لا يبغون عنها حولا. ففيها إقامتان إقامة لا ارتحال عنها الإقامة الثانية لا يبغي المقيم عنها حولا يرى أنها محل إقامة وأنها أشرف مكان. وذلك لو أنه لو رأى أن غيره أشرف منه لم يتم نعيمه لأنه يرى أنه قاصر و هذا بخلاف أهل النار. فأهل النار كل واحد منهم يرى أنه لا أحد أشد منه عذابا لأنه لو رأى أن أحدا أشد منه عذابا لتسلى به لكنه بالعكس يرى أنه أشد الناس عذابا. أهل الجنة لا يرى الواحد منهم أن غيره أكمل منه نعيما على وجه يفوقه بل يرى أنه في أكمل ما يكون من النعيم حتى لا يتنغص عليه نعيمه.
و من فوائد الآيات أن للجنة أبوابا لقوله : (( مفتحة لهم الأبواب )).
و من فوائدها كثرة الخدم المستفاد من قوله ((مفتحة)) و لم يقل مفتوحة فهي تفتح يستقبلون منها كلما دنوا من غرفة فتحت لهم الأبواب.
و من فوائد هذه الآيات أن أهل الجنة يطلبون كل ما يشتهون من الفواكه لقوله : (( يدعون فيها بفاكهة كثيرة )) و في سورة الدخان : (( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين )).
و من فوائد الآيات أن لأهل الجنة شرابا يدعون فيها بكل شراب. و قد مر علينا في التفسير أن أنواع الشراب أربعة.
و من فوائد الآيات ما في الجنة من الأزواج المطهرة العفيفات البالغات في الحسن غايته لقوله : (( وعندهم قاصرا الطرف )).
و من فوائدها أن هذه قاصرات الطرف خيرات الأخلاق طيبات ليس فيهن نشوز إطلاقا لقوله و عندهم قاصرات في الدنيا تارة تكون عندك و تارة تزعل و تروح لأهلها ما تكون عندك لكن في الجنة أزواجهم دائما عندهم ليس هناك نشوز و لا غضب و لا زعل بل أخلاق طيبة على ما ينبغي .
و من فوائدها كمال عفة هؤلاء النساء لكونهن قاصرات الطرف على أزواجهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن. و فيها كمال جمال هؤلاء النساء لأنهن قاصرات الطرف أي يقصرن أطراف أزواجهن عليهن فالزوج لا ينظر إلى غيرها لأنها قد ملأت عينه وسقت قلبه .
و من فوائدها أن هؤلاء الأزواج أتراب متساويات في السن و الخلق بحيث لا تغار واحدة من الأخرى لكونها أجمل منها أو أسن منها أو ما أشبه ذلك لقوله أتراب .
و من فوائدها أنهم يخاطبون بما يسرهم و يدخل النور في قلوبهم قوله (( هذا ما توعدون ليوم الحساب )) عكس أهل النار فإنهم يوبخون (( أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات )) و ما أشبه ذلك من التويبخ أما هؤلاء فيدخل في قلوبهم السرور فيقال لهم هذا ما توعدون به أخذتموه و وصلتم إليه و جنيتموه.
و من فوائد هذه الآيات إثبات يوم القيامة وأنه يوم الحساب لقوله يوم الحساب .
و من فوائدها حث الناس على العمل لأنه كلما تذكر الإنسان أنه سوف يحاسب عن عمله فإنه سوف يحرص و يجتهد في العمل حتى لا يحاسب على شيء يكون عليه.
و من فوائد هذه الآيات أن هذه الجنات التي وعد هؤلاء المتقون فضل من الله و منة لقوله ((إن هذا لرزقنا))
و من فوائدها أيضا أن هذا الرزق لا ينفد أبدا و لا ينقطع أبدا الفاكهة في كل وقت لحم الطير في كل وقت الشراب في كل وقت الزوجات في كل وقت ما فيه هذا فصل صيف ليس فيه فاكهة شتاء وهذا فصل شتاء ليس فيه فاكهة صيف كل شيء ليس له نفاد.
و من فوائدها كالتي قبلها أن لله تعالى فضلا على بعض العباد يحرمه البعض الآخر حيث يجعل هؤلاء من المصطفين الأخيار والآخرين على العكس من ذلك.
ثم قال تعالى : (( هذا ذكر وإن للمتقين )) إلى آخره. من فوائد هذه الآيات أن القرآن الكريم ذكر يذكر به الله بتلاوته ذكر يتذكر به الإنسان معاده و معاشه ذكر يذكر به غيره وقد ذكرنا هذا في أول السورة .
و من فوائد هذه الآيات بشارة المتقين بأن لهم حسن المآب أي المرجع و على العكس من ذلك غير المتقين لهم سوء المآب. لأن الله إذا حكم للشيء بصفة من الصفات فإنه يحكم له بضده إذا انتفت هذه الصفة. فإن قال قائل : لماذا لا تقولون أنه إذا انتفت هذه الصفة و لم تثبت الصفة المضادة لماذا لا تجعلونه وسطا بين هذا و هذا فلا يستحق الثناء المثبت بالصفة و لا القدح الذي يكون بضدها ؟ فالجواب على ذلك أن نقول لا شك أن الأمور طرفان و وسط : الطرفان متضادان و الوسط بينهما. لكن قد دل الكتاب والسنة على أن التقوى و ضدها ليست طرفا و وسطا بل هما طرفان متقابلان كما قال الله تعالى : (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )). فإذا ثبت للمتقين حسن المآب فلغيرهم سوء المآب و لا نجعله هنا شيئا وسطا لأنه لا وساطة بين الإيمان والكفر والتقوى والفسوق.
و من فوائد هذه الآيات الحث على التقوى. و ذلك في ذكر ثوابها لأن الحث على الشيء يكون بالأمر به كما هو ظاهر و يكون بالوعيد على تركه ويكون بالثناء على فعله. المهم أن طرق الحث على الشيء متنوعة منها ذكر حسن المآب.
و من فوائد هذه الآيات إثبات الجنات لهؤلاء وأنها هي حسن المآب لقوله جنات عدن ولا شك أن أحسن معاد يؤوب إليه البشر هو الجنات. فإن فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكل إنسان مؤمن إنما يسعى للوصول إلى هذه الغاية العظيمة.
من فوائدها أن الجنات دار إقامة لقوله ((جنات عدن)) فالناس مقيمون فيها لا يرحلون عنها. مقيمون فيها لا يبغون عنها حولا. ففيها إقامتان إقامة لا ارتحال عنها الإقامة الثانية لا يبغي المقيم عنها حولا يرى أنها محل إقامة وأنها أشرف مكان. وذلك لو أنه لو رأى أن غيره أشرف منه لم يتم نعيمه لأنه يرى أنه قاصر و هذا بخلاف أهل النار. فأهل النار كل واحد منهم يرى أنه لا أحد أشد منه عذابا لأنه لو رأى أن أحدا أشد منه عذابا لتسلى به لكنه بالعكس يرى أنه أشد الناس عذابا. أهل الجنة لا يرى الواحد منهم أن غيره أكمل منه نعيما على وجه يفوقه بل يرى أنه في أكمل ما يكون من النعيم حتى لا يتنغص عليه نعيمه.
و من فوائد الآيات أن للجنة أبوابا لقوله : (( مفتحة لهم الأبواب )).
و من فوائدها كثرة الخدم المستفاد من قوله ((مفتحة)) و لم يقل مفتوحة فهي تفتح يستقبلون منها كلما دنوا من غرفة فتحت لهم الأبواب.
و من فوائد هذه الآيات أن أهل الجنة يطلبون كل ما يشتهون من الفواكه لقوله : (( يدعون فيها بفاكهة كثيرة )) و في سورة الدخان : (( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين )).
و من فوائد الآيات أن لأهل الجنة شرابا يدعون فيها بكل شراب. و قد مر علينا في التفسير أن أنواع الشراب أربعة.
و من فوائد الآيات ما في الجنة من الأزواج المطهرة العفيفات البالغات في الحسن غايته لقوله : (( وعندهم قاصرا الطرف )).
و من فوائدها أن هذه قاصرات الطرف خيرات الأخلاق طيبات ليس فيهن نشوز إطلاقا لقوله و عندهم قاصرات في الدنيا تارة تكون عندك و تارة تزعل و تروح لأهلها ما تكون عندك لكن في الجنة أزواجهم دائما عندهم ليس هناك نشوز و لا غضب و لا زعل بل أخلاق طيبة على ما ينبغي .
و من فوائدها كمال عفة هؤلاء النساء لكونهن قاصرات الطرف على أزواجهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن. و فيها كمال جمال هؤلاء النساء لأنهن قاصرات الطرف أي يقصرن أطراف أزواجهن عليهن فالزوج لا ينظر إلى غيرها لأنها قد ملأت عينه وسقت قلبه .
و من فوائدها أن هؤلاء الأزواج أتراب متساويات في السن و الخلق بحيث لا تغار واحدة من الأخرى لكونها أجمل منها أو أسن منها أو ما أشبه ذلك لقوله أتراب .
و من فوائدها أنهم يخاطبون بما يسرهم و يدخل النور في قلوبهم قوله (( هذا ما توعدون ليوم الحساب )) عكس أهل النار فإنهم يوبخون (( أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات )) و ما أشبه ذلك من التويبخ أما هؤلاء فيدخل في قلوبهم السرور فيقال لهم هذا ما توعدون به أخذتموه و وصلتم إليه و جنيتموه.
و من فوائد هذه الآيات إثبات يوم القيامة وأنه يوم الحساب لقوله يوم الحساب .
و من فوائدها حث الناس على العمل لأنه كلما تذكر الإنسان أنه سوف يحاسب عن عمله فإنه سوف يحرص و يجتهد في العمل حتى لا يحاسب على شيء يكون عليه.
و من فوائد هذه الآيات أن هذه الجنات التي وعد هؤلاء المتقون فضل من الله و منة لقوله ((إن هذا لرزقنا))
و من فوائدها أيضا أن هذا الرزق لا ينفد أبدا و لا ينقطع أبدا الفاكهة في كل وقت لحم الطير في كل وقت الشراب في كل وقت الزوجات في كل وقت ما فيه هذا فصل صيف ليس فيه فاكهة شتاء وهذا فصل شتاء ليس فيه فاكهة صيف كل شيء ليس له نفاد.