فوائد قول الله تعالى : (( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين )) . حفظ
و من فوائد هذه الآيات توبيخ إبليس بترك السجود لمن شرفه الله عز وجل و أمر بالسجود له لقوله : (( قال ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )).
و من فوائدها أن كلام الله تعالى يتعلق بمشيئته حيث صدر هذا القول بعد استكبار إبليس و تركه السجود.
و من فوائدها إثبات الخلق لله لقوله (( ما خلقت )).
و من فوائدها إثبات اليدين لله لقوله (( بيدي )). و هذه صيغة تسويه تفيد أن لله تعالى يدين اثنتين و هو كذلك.
و من فوائدها شرف آدم من حيث أن الله خلقه بيديه و فضله على غيره بهذا إلا أن أهل العلم يقولون إن الله غرس جنة عدن بيديه و كتب التوراة بيده.
و من فوائد هذه الآيات الرد على أهل التعطيل الذين قالوا أن المراد باليد النعمة و القوة و ذلك أن النعمة أو القوة لا تأتي بصيغة التثنية لأن صيغة التثنية تدل على الحصر. و قوة الله غير محصورة و نعمه أيضا غير محصورة (( و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )).
و من فوائد هذه الآية أن يدي الله لا تماثل أيدي المخلوقين لأن الله أضافها إلى نفسه و المضاف يكون بحسب المضاف إليه فكما أن ذات الله مقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين فكذلك صفاته.
و من فوائد هذه الآيات استعمال الحصر أو الصبر و التقسيم في المناظرة و المجادلة لقوله (( أستكبرت أم كنت من العالين )) و قد سبق تفسيرها بأن المعنى هل أنت استكبرت في نفسك و أنت لست أهلا للعلو أو كنت عاليا في أصلك حتى تمتنع عن السجود .
و من فوائد هذه الآيات ذم الاستكبار لأن الاستفهام في قوله أستكبرت للتوبيخ.
و من فوائدها تنزيل الأشياء منازلها لقوله : (( أم كنت من العالين )) لأن العالين من علا على غيره فإنه لا ينزل حتى يكون أنزل من غيره بل كل أحد ينزل في منزلته .
و من فوائد هذه الآيات بيان الدعوة الكاذبة التي ادعاها إبليس في قوله (( قال أنا خير منه )) .
و من فوائدها أن الإنسان قد يعمى عن الحق فيستدل بما هو عليه يظن أنه له لقوله : (( خلقتني من نار وخلقته من طين )).
و من فوائد هذه الآية أن من قدم العقل على السمع فإنما هو متبع لخطوات الشيطان لأن الشيطان قدم ما يدعي أنه عقل على السمع فأخطأ في ذلك. فهكذا كل من قدم العقل على السمع سواء في العلميات و هي علم العقائد أو في العمليات فإنه مشابه لإبليس مبتع لخطواته. و اعلم أن كل بلية تقع من تحريف.....و الاستكبار عن عبادة الله و غير ذلك فأصلها من إبليس.
و من فوائد هذه الآية إقرار إبليس بأن الله هو الخالق لقوله (( خلقتني و خلقته )).
و من فوائدها أيضا أن إبليس كان قد أقر بانحطاط منزلته عن الربوبية لقوله (( خلقتني )) و المخلوق لا يمكن أن يكون ربا.
و من فوائدها أن إبليس أعلم بحقائق صفات الله من كثير من أهل التعطيل. فالذين فسروا اليد بالقوة لو كان تفسيرهم صحيحا لقال إبليس يا رب و أنا خلقتني بيديك لأن الله خلق إبليس بقوته كما خلق آدم لكن إبليس فهم أن المراد باليد غير القوة و لهذا لم ينقض فضيلة آدم بكونه خلق بيد الله. نعم .
و من فوائدها أن إبليس باستكباره و إبائه صار مستحقا للطرد و الإبعاد و لهذا قيل له (( اخرج منها فإنك رجيم )) .
و من فوائدها أن إبليس لما أخرج أبلغ بأنه مرجوم و الرجم زيادة على الطرد.
و من فوائد هذه الآيات أن إبليس ملعون لقوله : (( وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين )) و في آيات أخرى (( وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين )). فهل نقول أن اللعنة المطلقة في قوله (( إن عليك اللعنة )) هي المقيدة هنا في قوله : (( وإن عليك لعنتي )) أو نقول : أن اللعنة هناك أعم فعلى إبليس لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين يحتمل هذا. و هذا يحتمل أن نأخذ بالمطلق لأنه أعم و يحتمل أن نحمل المطلق هناك على المقيد هنا.
و من فوائد هذه الآية أننا لا ندعو على إبليس باللعنة لأنه قد استحق هذه اللعنة بأمر الله أو بخبر الله (( وإن عليك لعنتي )) فلا حاجة إلى أن تقول إبليس لعنه الله لأنه ملعون و قد قال ابن القيم رحمه الله على قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الشيطان يتعاظم في نفسه إذا قيل تعس الشيطان ) قال ذلك إذا دعي عليه باللعنة و التقبيح و ما أشبه ذلك فإنه يتعاظم في نفسه يعني كأنه لم يقدر عليه ذلك. فإذا كان قد قدر عليه فلا حاجة أن أدعوا الله به و لكن أستعن بما أمر الله به لقوله : (( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ))[الأعراف:200] ...... أليس النبي صلى الله عليه وسلم كان الشيطان يتفلت عليه في صلاته قال ألعنك بلعنة الله و لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قيدها بقوله ألعنك بلعنة الله فقيد.