بسم الله الرحمن الرحيم. حفظ
قال الله عز وجل: (( بسم الله الرحمن الرحيم )) البسملة آية مستقلة في كتاب الله عز وجل ليست مِن الفاتحة ولا مِن غير الفاتحة على القول الراجح، فهي آية مستقلة يؤْتَى بها للبدَاءَةِ بالسورة، أو نقول: للفصل بين السورتين؟ للبداءة، لأننا لو قلنا: للفصل بين السورتين. ورد علينا أو أُورِد علينا سورة الفاتحة، لأنها ليس قبلها سورة، إذًا، للبدء بالسورة. وسقطت بين الأنفال والتوبة، لأنها لم ترِدْ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبتَتْ ما أهملَها الصحابة رضي الله عليهم، والبسملة -كما نشاهد ونقرأ- شبه جملة وليست بجملة، لأنها جارّ ومجرور، والجارّ والمجرور والظرف يسَمَّى شبهَ جملة ولا يسمى جملة، لأنها لم توجد فيه أركان الجملة، ولكنَّ الجملةَ مقدَّرَةٌ فيه أعرفتم؟ .. واضح و إلا لا؟ الجار والمجرور والظرف يسمى شبهَ جملة و لا يسمى جملة لماذا؟ لأنَّه لم تُذْكَر فيه أركان الجملة، ولكنه شبه جملة لأنَّه لا بد مِن تقديرٍ تتِمُّ به الجملة فـ(بسم الله الرحمن الرحيم) جار ومجرور ومضافٌ إليه وصفة متعلقة بمحذوف متعلِّقة بمحذوف ولا بد، ولهذا قال في نظْمِ الجمل:
لا بد للجارِّ من التعلق بفعلٍ أو معناه نحوُ مرتقي
واستثنِ كلَّ زائدٍ له عمل كالبا ومِن والكاف أيضًا ولعل
عرفتم؟ " لا بد للجار من التعلق بفعلٍ أو معناه نحوُ مرتقي" (مرتقي) بمعنى الفعل، لأنه اسم فاعل، " واستثن كل زائد له عمل كالبا ومِن والكاف أيضًا ولعل "، وذلك لأنَّ الذي فيه حروف جر زائدة يُقَدَّر كأنه لا حرفَ فيه لو قلت: ليس زيدٌ بقائم فإنك تقول: (قائم) خبر (ليس)، ما تقول: مجرور بالباء والجار والمجرور متعلق بمحذوف. لا و(قائم) خبر (ليس)، طيب على كل حال، البسملة متعلقة بمحذوف فما هو المحذوف؟ أحسنُ ما يُقدَّر به هذا المحذوف أن يُقدَّرَ فعلًا متأخِّرًا مناسِبًا للمَبْدُوء به، وش قلنا؟
الطالب: يقدر فعل
الشيخ : متأخر
الطالب: مناسب لموضعه
الشيخ : نعم طيب، هذا أحسن شيء فمثلًا إذا كنت تريد أن تقرأ تقول: التقدير بسم الله أقرَأُ، إذا أردت أن تتوضأ التقدير: بسم الله أتوضأ، أردت أن تدخل: بسم الله أدخُل، وهكذا، واضح؟
قدَّرْنَاه فعلًا، لأنه الأصل في العمل، الأصل في العمل الأفعال، واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر العامل ملْحَق بالفعل فلذلك اخترْنا أن نقدِّرَه فعلًا لا اسمًا لأنه الأصل في العمَل، اخترْنا أن يكون متأخِّرًا لوجهين:
الوجه الأول: التبرك بالابتداء باسم الله، أن نجعل أول الجملة (بسم الله) تبرُّكًا، والثاني: إفادة الحصر، لأن تأخِير العامل يفِيد الحصر، طيب اختَرْنا أن يكون مناسِبًا للموضوع أو لما ابتُدِئَ به، لأنه أدَلُّ على المقصود، حيث يُعَيِّن أنَّ البسملة لهذا الشيء، طيب لو قلنا: بسم الله أبتدِئ. تقدير الكلام: بسم الله أبتدئ ما الذي فاتنا؟
الطالب: ...
الشيخ : لا، قلنا: بسم الله أبتدئ. فِعْل، مو فعل؟
الطالب: لكنه غير مناسب
الشيخ : طيب هذا اللي فاتنا، إذًا فاتنا أنه غير مناسب للمَقَام أو للموضوع. طيب إذا قدَّرْنا: أقرأُ بسم الله. ما الذي فات؟
الطالب: .. أن يقرأ؟
الشيخ : إيه أنا أريد أن أقرأ فقلت: التقدير أقرأُ بسم الله
الطالب: ما فات شيء
الشيخ : ما فات شيء؟ لا.
الطالب: الحصر
الشيخ : لا
الطالب: فات التبرُّك بالاسم
الشيخ : لا
الطالب: التقديم ...
الشيخ : فات التقديم؟ فات التأخير؟
الطالب: قلت ...
الشيخ : تقول ما فات شيء؟
الطالب: أقرأ ..
الشيخ : لا لا ما في، كُلٌّ يخطئ يا هداية الله!
الطالب: ...بعض
الشيخ : طيب، إذًا نقول: إذا قلنا: التقدير: أقرأُ بسم الله. الذي فات: التأخير، لكن فائدة التأخير -اللي أشار إليها الإخوان- هي الحصر والتبرُّك بالبداءة ببسم الله. طيب إذا قلنا: بسم الله قراءتي. وش الذي فات؟
الطالب: .. فات أن يكون فعلًا
الشيخ : فات أن يكون فعلا؟ صح.
طيب، (( بسم الله الرحمن الرحيم )) (اسم) مفرد مضاف، والمفرد المضاف للعموم، وعلى هذا فيكون المعنى: بكل اسمٍ من أسماء الله، لأنَّ المفرد المضاف يكون للعموم، والدليل على أنَّ المفرد المضاف يكون للعموم قوله تعالى: (( وإن تعُدُّوا نعمةَ الله لا تُحصوها )) فـ(نعمة) مفرد ومع ذلك قال: إن تعدوا لا تحصوا، فدل هذا على أنها عامَّة في كل نعمة.
طيب والباء في قوله: (( بسم الله )) للاستعانة والمصاحبة والملابسة، يعني: مستعينًا مصطحِبًا متلبِّسًا باسمِ الله، و(( الله )) عَلَم على ذاتِ الله سبحانه وتعالى، عَلَم على ذاتِ الله خاصٌّ به لا يُسَمَّى به غيره، واختلف العلماء هل هو مشْتَقّ أو جامِد؟ والصحيح أنه مشتَقّ، لقول الله تعالى: (( ولله الأسماء الحسنى )) ولو جعلناه اسمًا جامدًا لكان غير دالٍّ على الوصف بل كان عَلَمًا محضًا، وحينئِذٍ لا يكون دالًّا على الأحسن، بل لا يكون دالًّا على الحُسْن فضلًا عنِ الأحسَن، فالصحيح الذي لا شك فيه أنه مشْتَقّ، مشْتَقٌّ منِ أي شيء؟ مُشْتَقٌّ من الألوهية وهي: التقَرُّب والتَّعَبُّد للمأْلُوه على وجهِ المحبَّة والتعظِيم.
وأما قوله: (( الرحمن )) فهو أيضا علَم على الله عز وجل لا يسمى به أحدٌ غيره ، فهو مِن أسماء الله الخاصة به، ولا يوصف به غيره، وهو مشتَقٌّ من الرحمة، وكان بصيغة (فَعْلَان)، لدلالة هذه الصيغة على السَّعَة والامْتِلَاء، فهو دالٌّ على سَعَةِ رحمة الله عز وجل، وشُمُولِها لكل شيء.
وأما (( الرحيم )) فهو اسمٌ من أسماء الله لكن يوصف به غيره، قال الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ))، وهو مشْتَقٌّ من الرحمة لكنه إذا قُرِن بالرحمن، أي إذا ذُكِرًا جميعًا كانت (الرحمن) دالَّةً على الوصف و(الرحيم) دالَّةً على الفعل، أي أنه يرحَم برحمتِه عز وجل مَن يشاء