التعليق على تفسير الجلالين : (( تنزيل الكتاب )) القرآن مبتدأ (( من الله )) خبره (( العزيز )) في ملكه (( الحكيم )) في صنعه . حفظ
(( تنزيل الكتاب )) قال المؤلف:" القرآن، مبتدأ " أيُّها المبتدأ؟ هي (تنزيل) ولَّا (الكتاب)؟
الطالب: (تنزيل)
الشيخ : (تنزيل)، قال:" (( مِن الله )) خبرُه " إذًا معنى الآية: أن الله يخبر -عز وجل- بأنَّ تنزيل الكتاب مِن عندِه مِن الله، أي أنَّه نازِلٌ منه مِن عند الله، لا مِن جبريل ولا من محمد ولا من أيِّ مصدرٍ كان، بل هو نازل من الله سبحانه وتعالى، تكلَّم به وألقاه إلى جبريل، ثم إنَّ جبريل نزلَ به على قلْبِ النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ )) وتأمل قوله: (( على قلبك )) لِتعلَم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وعَى القرآن وعيًا تامًّا، لأنَّ ما نزل على القلب لا بد أن يَعِيَهُ القلب.
قال:" (( العزيز )) في ملكه، (( الحكيم )) في صنعه " (العزيز) ما معناها؟ العزيز لها معان:
أولًا: عزيز بمعنى غالب ومنه قوله تعالى: (( وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )) قالها الله تعالى جوابًا على قول المنافقين (( لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )) فسَلَّم الله ذلك أنّ الأعز يخرِج الأذل لكن قال: العزة لِمَن؟ لله ولرسوله وللمؤمنين، أما المنافقون فلا عِزَّةَ لهم حتى يستطيعوا أن يُخْرِجوا المؤمنين منها، طيب العزيز بمعنى الغالِب ومنه قوله تعالى (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )).
عزيز بمعنى قوِيّ شديد القوة، ومنه قولهم: أرض عزَاز يعني صَلْبَة قوِيّة ومِن المعلوم أنَّ الله تعالى في صفاتِه كلِّها شديدٌ قوِيّ، كلُّ الصفات كاملة ليس فيها نقْص ولا وهَن ولا ضعْف.
الثالث: مِن معنى العِزَّة الامتِنَاع يعني: أنه ممتَنِع عن أن ينالَه سوءٌ، فهذه ثلاثة معان للعزيز: غالب، قوي، ها؟ الطالب: ممتنع
الشيخ : ممتنع عن كلِّ نقص، وأما قول المؤلف: " في ملكه " فإنه قاصر في الحقيقة، قاصِر جدا ، لأنه إذا قُيِّدَت العزة في الملك فإنَّها لا تتناول إلا العزيز بمعنى الغالب أو القوي.
وأما الحكيم فيقول:" الحكيم في صنعه " في صنعه أي فيما صنع، وهل يوصف الله تعالى بأنه صانع وأن له صنعًا؟ نعم؟ الجواب: نعم، يوصف بأنه صانع وأنَّ له صُنْعًا قال الله تبارك وتعالى: (( صُنْعَ الله الذي أتقنَ كُلَّ شيء )) لكن يجب أن نعلم أنَّنا إذا وصَفْنا الله بالصنع فليس كصفَتِنِا للمخلوق بالصنع، المخلوق إذا كان صانعًا يحتاج إلى أدوات: إن كان نجَّارا يحتاج إلى: منشار، قَدُّوم، مِخْرَاق وما أشبه ذلك، لكنَّ الله عز وجل لا يحتَاج، فلما قال الله عز وجل: (( والسماءَ بنيناها بأيْدٍ )) هل بناءُ الله عز وجل كبناء المخلوق؟ يحتاج إلى زِنْبِيل وإلى لبن وإلى طين؟ نعم؟ لا، فالبناءُ غير البناء والصنع غير الصنع، قد يتوهمُ الانسان أنه إذا وصف الله بالصنع وأنه صانع قد يتوهم أنه يحتاج إلى آلات يصنع بها، ولكنَّ هذا خطأ، لأنَّ صُنْعَ الله ليس كصُنْع البشر. طيب وقول المؤلف: " (الحكيم) في صنعه " تقييدُها في الصنع فيه قُصُور، والصواب أنه حكيمٌ في صنعه وفي شرعِه، ولهذا يَختِمُ الله أحيانًا آياتِ التشريع بالحكمة كما في قوله تعالى في سورة الممتَحِنة: (( ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) فهو حكيمٌ في صُنْعِه حكيم في شرعِه: في صنعه يعني جميعُ مصنوعاته كلُّها مُحْكَمَة قال الله تعالى: (( الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ )) قَلِّبْ فَكِّرْ (( هلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )) يعني كرَّةً بعد أخرى، في النهاية (( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ )) هذا مِن الإحكام في الصُّنع، أما في الشرع فيقول الله سبحانه وتعالى: (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )) وتناقُضًا، القرآن لا يمكن يتناقض أبدًا، وإذا رأيتَ آيةً ظاهرُها يناقض الآيةَ الأخرى فاعلم أنَّ ذلك إما مِن سُوء فهمِك أو من قصور علمِك: إما مِن قصور علمِك بأن تكون الآية هذه ناسخَةً للآية وأنت لا تعلم، أو مِن سوء فهمك بأن تكون كلتا الآيتين محكَمَة ولكن لم تفهَم الجمع بينهما، وإلا فلا يمكن أبدًا أن يكون في كلام الله تناقُض، ولا فيما صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض أبدًا، هذا لا يمكن، لأنه شرْعُ الله واللهُ تعالى قد أحكم شرعَه، إذًا الله حكيمٌ في صنعه وفي شرعه، وبناءً على هذا تكون (حكيم) بمعنى مُحْكِم بمعنى مُحْكِم عرفْتُم؟ لا بمعنى حاكِم، بمعنى مُحكِم لا بمعنى حاكم على هذا التفسير: أنَّ معنى (الحكيم) الـمُحكِم لشرعِه وصُنعِه، وهنا نسأل: هل تأتي (فعِيل) في اللغة العربية بمعنى (مُفعِل)؟ والجواب: نعم تأتي (فعيل) بمعنى (مُفعِل) ومنه قول الشاعر:
أمن ريحانَةَ الداعي السميعُ يؤرقني وأصحابي هُجُوع
" أمن الريحانة الداعي السميع " (السميع) اللي بيسمع؟ أو السميع بمعنى الـمُسمِع؟ بمعنى المسمع
أمن ريحانة الداعي السميعُ يؤَرِّقُني وأصحابي هجوع
حينئِذٍ تكون (حكيم) بمعنى مُحْكِم، وهل يمكن أن تكون بمعنى حاكم؟ الجواب: نعم يمكن أن تكون بمعنى حاكم، وعلى هذا فتكون (حكيم) بمعنى: أنَّ له الحكم، والحكم المضاف إلى الله عز وجل يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، الحكم الكوني هو إيجاد الأشياء وخَلْقُه الأشياء والحُكْم عليها بالفناء والبقاء والتحول والتغير وما أشبه ذلك، كلّ هذا حكم، الحكم الشرعي هو ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أحكام الله التي يُلزَم بها المكلَّف، فقوله تعالى: (( أقِمِ الصلاة )) هذا شرعي، (( كونوا قردة )) هذا كوني، طيب (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ * وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا)) شرعي، (( ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ )) شرعي، (( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ))
الطالب: كوني
الشيخ : كوني، تمام؟